في ظلّ التوتر الكبير الذي يسود العلاقات الأميركية – الأوكرانية إثر اللقاء العاصف بين الرئيسَين دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضوي يوم الجمعة الماضي، حذّر ترامب من أن بلاده لن تتسامح طويلاً مع موقف الرئيس الأوكراني. ونشر الرئيس الجمهوري عبر “تروث سوشال” أمس، صورة لتقرير ينقل عن زيلينسكي قوله إن نهاية الحرب لا تزال بعيدة للغاية، وأرفقه بتعليق جاء فيه: “هذا أسوأ تصريح يُمكن لزيلينسكي أن يُدلي به”، معتبراً أن “هذا الرجل لا يُريد سلاماً طالما أنه يحظى بدعم أميركا”.
وكان ترامب قد اعتبر أنه “علينا أن نمضي قدراً أقلّ من الوقت قلقين في شأن بوتين”، ومزيداً من الوقت قلقين في شأن المهاجرين الذين يدخلون بلادنا، “حتى لا ينتهي بنا الأمر مثل أوروبا”، فيما أمر وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، البنتاغون، بتعليق كلّ العمليات السيبرانية ضدّ روسيا، بما في ذلك الأعمال الهجومية، حسب صحيفة “نيويورك تايمز”، لكن مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز نفى تعليق العمليات السيبرانية، مؤكداً أنه “سنستخدم كلّ أنواع وسائل الضغط، من الجزرة إلى العصا، للتوصل إلى وضع حدّ لهذه الحرب”.
وبعدما عقد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قمّة طارئة في شأن أوكرانيا مع القادة الأوروبّيين والأمين العام لحلف “الناتو” مارك روته وكندا في لندن الأحد، كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيّته جان نويل بارو أن بلادهما وبريطانيا تقترحان هدنة جزئية لمدّة شهر بين روسيا وأوكرانيا، تشمل الهجمات التي تستهدف البنية التحتية للطاقة والهجمات جواً وبحراً ولا تشمل القتال البري، بينما نفى وزير الدولة البريطاني للقوات المسلّحة لوك بولارد بأن تكون فرنسا وبريطانيا قد اتفقتا على اقتراح الهدنة الجزئية التي تحدّثت عنها باريس. ومن المقرّر أن يجتمع زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة استثنائية ستنقعد الخميس لمناقشة الدعم الإضافي لأوكرانيا وضمانات الأمن الأوروبي وكيفية تمويل احتياجات الدفاع الأوروبّية.
وفيما كان ستارمر قد كشف الأحد أن الزعماء الأوروبّيين اتفقوا على وضع خطّة لإحلال السلام في أوكرانيا لتقديمها للولايات المتحدة، جدّد أمام مجلس العموم أمس تأكيده أن وجود أميركا ضروري لضمان السلام في أوكرانيا، معتبراً أن صفقة المعادن المحتملة بين واشنطن وكييف لا تكفي في حدّ ذاتها كضمانة أمنية لالتزام روسيا بشروط أي اتفاق سلام. وأوضح أن زيادة الإنفاق الدفاعي تهدف إلى جلب السلام “عبر القوّة”. من ناحيته، اعتبر وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أنه يجب أن تنضمّ أوكرانيا إلى “الناتو”.
توازياً، كشف زيلينسكي أنه يعمل مع الأوروبّيين على تحديد “مواقف مشتركة” لمحاولة إقناع ترامب بأخذ مصالحهم بالاعتبار في مواجهة روسيا، مشدّداً على أن الأولوية تتمثل في التوصّل إلى “سلام متين ودائم وإلى اتفاق جيّد في شأن إنهاء الحرب”. وأكد أنه لم يمرّ يوم لم تشعر فيه أوكرانيا بالامتنان للولايات المتحدة على دعمها، مستبعداً أن توقف أميركا مساعداتها لبلاده لأنها لن ترغب، بصفتها من “زعماء العالم المتحضر”، في مساعدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأبدى استعداده لتوقيع اتفاق المعادن مع واشنطن.
في المقابل، اعتبر الكرملين أن التعهّدات التي قطعها الزعماء الأوروبّيون خلال “قمّة لندن” بزيادة التمويل لكييف، التي شملت صفقة صواريخ دفاع جوي بقيمة ملياري دولار مع بريطانيا، ستتسبّب في استمرار الحرب. وأشار إلى أن واشنطن حدّدت مساراً لاستعادة العلاقات مع روسيا وحلّ الصراع في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن، لكن هذا الأمر “تعرقله كييف والدول الأوروبّية”، ورأى أن “أوروبا تريد إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا من أجل ضمان ميزة لكييف في المفاوضات المحتملة حتى تتحقق التسوية بشروط أوكرانيا”، معتبراً أنه “على شخص ما أن يجعل زيلينسكي يريد السلام وجهود روسيا والولايات المتحدة وحدها لا تكفي”. كما زعم بأن “الغرب الجماعي بدأ يتفكّك”، لكن مجموعة من الدول من “حزب الحرب” في أوكرانيا لا تزال نشطة.