كريستيان الجميّل
إنتهت الزيارة الموعودة للموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى لبنان. وثمة مجموعة من الأسئلة تطرح عن كيفية تصرّف الحكومة اللبنانية ما بعد الزيارة وهل ستتخذ قرارات جريئة أو ستستكمل مسلسل التصرّف كالنعامة التي تطمر رأسها بالتراب.
طرحت أورتاغوس سلسلة مطالب هي بالأساس مطلب الشعب اللبناني، وتتعلّق بجمع السلاح غير الشرعي وتطبيق القرار 1701 والقرارات الدولية وضبط المرفأ والمطار والحدود اللبنانية - السورية وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها والمباشرة بالإصلاحات وتشكيل لجان للتفاوض مع إسرائيل.
أبلغت أورتاغوس المسؤولين بوضوح أنه طالما لم تتحرّكوا لضبط "حزب الله" فلن نستطيع الضغط على إسرائيل. ويظهر بشكل واضح منح الضوء الأخضر الأميركي لتل أبيب من أجل فعل ما تريد.
أتت زيارة أورتاغوس إلى لبنان وكأنها تقول "اللهم إني بلغت"، وتعود ذاكرة اللبنانيين إلى الأيام والأشهر الاولى لإندلاع حرب الإسناد، يومها قصد لبنان المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين وعدد من السفراء الأجانب وكلهم يحملون رسالة واضحة وهي "لا تلعبوا بالنار، والتهديدات الإسرائيلية جديّة والحرب ستكون مدمّرة".
لعب "حزب الله" بالنار وأحرق لبنان معه، ودخلت البلاد آتون الحرب والتدمير، وخسر "الحزب" أمينه العام حسن نصرالله وكل كوادره ودمّرت بلدات الشريط الحدودي والضاحية والبقاع. والفارق جوهري بين تلك المرحلة واليوم، حينها لم يكن هناك رئيس للجمهورية ولا حكومة جديدة ولا موازين قوى تبدّلت في كل المنطقة.
وضعت أورتاغوس الحكومة اللبنانية أمام مسؤوليات تاريخية، وباتت الطابة في يدها هذه المرّة، لقد قالت ما قالته ونقلت رسالة التحذير، وهنا أصبح من الواجب على الدولة اللبنانية التحرّك فوراً وإلا ستفتح ابواب الجحيم أمام اللبنانيين.
يحاول رئيس الجمهورية جوزاف عون فعل كل شيء لتجنيب لبنان الحرب، لكن رئيس مجلس النواب نبيه برّي يلعب لعبته المعتادة، وهو يحاول التذاكي على الأميركيين والإيحاء بأن مجلس نوابه يفعل شيئاً ويحارب الفساد وبأن لبنان الرسمي يطبّق بنود اتفاق الهدنة بينما إسرائيل تخرقه، في حين يتبع رئيس الحكومة نواف سلام أسلوب التباكي وكأن لا حول ولا قوة للبنان وهو المستهدف من تل أبيب.
عندما وقع برّي وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي على اتفاق الهدنة في 27 تشرين الثاني من العام الماضي يعلم جيداً على ماذا فاوض ووقّع، وعندما ألّف سلام الحكومة كان على دراية بكل بنود اتفاق الهدنة، وبالتالي باتت الحكومة امام منعطف كبير وخطير.
طالب وزراء "القوات اللبنانية" بوضع جدول زمني لتسليم السلاح، فأتى الردّ من نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري الذي يُعتبر رجل سلام في الحكومة، وبعدها من الوزيرة تمارا الزين معتبرين أن لا تسليم للسلاح غير الشرعي، وبالتالي هناك إنقسام داخل الحكومة فيما خصّ هذا الملف.
لا يملك سلام أو جزء من حكومته خطة للتحرّك في المرحلة المقبلة، وإذا كانت الامور ستسير كما كانت سابقاً سيدفع لبنان ثمناً باهظاً نتيجة إستمرار الخوف من "حزب الله"، بينما "الحزب" إنتهى عسكرياً ومحور "الممانعة" سقط بأكمله.
أيام فاصلة بعد تبلّغ لبنان رسالة واشنطن، وإذا لم تسارع الحكومة إلى وضع خطة واضحة وتوقف التباكي والتذاكي، فالحرب تطرق الأبواب وعندها لن يتعاطف المجتمع الدولي مع بلد مُنح فرصة ذهبية فأهدرها.