13 نيسان 1975: حقائق مباشرة برسم 13 نيسان 2025

7areb2

تعود علينا الذكرى الخمسين لـ13 نيسان والذاكرة الجماعية مليئة بالدروس والعبر والتي جاء نيسان 2025 ليعيد تظهيرها في جوهرها ولو في ظروف مختلفة .

طبعاً لن نقول كما يقول البعض إن 13 نيسان شبح ممكن عودته ولكن في المقابل يمكننا التأكيد على ثابتتين أساسيتين :

-الأولى ان اندلاع الحرب الاهلية لمصالح الاخرين عام 1975 كان هو الدافع وما كانت “بوسطة” عين الرمانة الا الفتيل الذي راكم اخطاء وارتكابات انتهكت سيادة الدولة وحكم الدستور والقانون لدرجة أن كل الدولة انهارت وآخرها الجيش اللبناني الذي بات العسكري او الضابط فيه يلبس لباساً مدنياً للانتقال بين منطقة وأخرى .

-الثانية ان اندلاع الحرب عام 75 كان بتدبير خارجي إقليمي ودولي وبالتالي كان نتيجة تدخل الخارج في الشأن اللبناني لدعم السلاح الفلسطيني المتفلت آنذاك والذي اسقط الدولة وقسم اللبنانيين وجعلهم يتحاربون .

هاتان الثابتتان تجعلاننا نستنتج أن ما أقرب الامس من اليوم في التوصيف مع فارق هام إلا وهو أن السلاح الفلسطيني استبدل بسلاح لبنان غير شرعي أعلن ولاؤه للخارج واستخدم في الداخل اللبناني انفاذاً لمخطط خارجي .

وفي هذا السياق نتوقف عند الحقائق التالية :

أولاً: بدأت المؤامرة تسلك طريقها محو حادثة عين الرمانة قبل حصولها حين لم تتوفر إرادة داخلية تلجم فلتان السلاح والا لما حصلت الحرب.

ثانياً: 13 نيسان بدأت قبل هذا التاريخ وتحديداً عامي ٦٩ و٧٣ بحيث لو حسم الوضع الأمني والسياسي الداخلي المتدهور لما وصلنا إلى نيسان 75.

ثالثاً: قبل العام 1965 كان ثمة ارادة لبنانية بإبقاء لبنان بمنأى عن الصراع العربي الاسرائيلي وكان مصطلح “لبنان دولة مساندة لا مواجهة” معادلة هذا الحياد اللبناني الذي أقرته الجامعة العربية مجتمعة .

رابعاً: كل المشكلة بدأت في اللحظة التي تخلى فيها لبنان عن سيادته وحياده بفعل عدة عوامل منها :

أ – ثورة سنة 1958 على الرئيس كميل شمعون قدم شارل مالك قدم شكوى في مجلس الامن ضد الجمهورية العربية المتحدة لتسهيلها نقل الثوار الى لبنان وادخال السلاح اليهم لقلب النظام، وفي العام نفسه اطلق وزير الخارجية شارل مالك لأول مرة حقيقة ان قرية الغجر قرية سورية فكان ارسال الجمهورية العربية المتحدة (الوحدة المصرية السورية) اول إشارة الى بداية التدخل بالشؤون اللبنانية .

ب – في تلك الحقبة كان الوضع مع إسرائيل محكوماً باتفاقية الهدنة التي يحلو اليوم للبعض استذكارها بعدما كانوا في أساس اسقاطها يوم قررت الحركة الوطنية برنامج دعم العمل الفلسطيني المسلح، حينها كانت الدولة اللبنانية ملتزمة بها فيما كان المحيط المباشر للبنان يرسل السلاح والمقاتلين لتخريب النظام وخلط أوراق التوازنات الداخلية.

ج – ان القرار بعدم دخول لبنان في الصراع العربي الاسرائيلي آنذاك لخصوصيته وتركيبته المعقدة كان الضمان بحياده وبنظامه البرلماني الجمهوري في ظل أنظمة اشتراكية محيطة به كانت تريد المواجهة انطلاقاً من ارض لبنان لضرب نظامه، فالتركيبة اللبنانية لم تقبل بها حتى إسرائيل العنصرية كذلك العرب آنذاك لم يقبلوا بها لكونها دول أوتوقراطية او دكتاتورية .

فأمام تسهيل الجيران لدخول السلاح والمقاتلين لنصرة الفلسطينيين من لبنان بدأ الجنوب اللبناني يتحول الى ساحة عمليات ضد إسرائيل لكن الدولة كانت آنذاك لا تزال قادرة على ضبط الوضع ومنع استباحة الأرض اللبنانية في الجنوب .

د- لكن ومع ازدياد الضغوط العسكرية والأمنية وائتلاف دول المنطقة لضرب واضعاف الدولة وهيبتها واستقلالها وصل الجيش اللبناني الى مرحلة لم يعد فيها بإمكانه حماية اتفاقية الهدنة وبالتالي حياد لبنان إزاء الصراع القائم .

فكانت الطامة الكبرى بسقوط الهدنة سنة 1968 حين نفذت عملية فدائية ضد طائرة العال الإسرائيلية في أثينا انطلق منفذوها من لبنان فردت إسرائيل بضرب مطار بيروت فبدأت اتفاقية الهدنة تتهاوى ومعها لبنان الدولة .

العام 1969 ومع تمادي العمل العسكري الفلسطيني على الارض اللبنانية وافتعاله عمليات وصدامات مع الجيش اللبناني حطت الازمة رحالها في ما عرف باتفاقية القاهرة التي “ذبحت” الدولة اللبنانية من الوريد الى الوريد في ظل تفاقم الوضع بين الجيش اللبناني والفلسطينيين المدعومين آنذاك من الإسلام اللبناني والعالم العربي .

وفي تشرين الاول من العام نفسه وقد كان التوتر على اشده بين الجيش والفلسطينيين عقد اجتماع عرمون في منزل مفتي الجمهورية آنذاك لكل القوى والشخصيات والأحزاب الاسلامية، وأصدروا بياناً داعماً للفلسطينيين وتشريع العمل الفلسطيني في لبنان وهي نفس المضمون الذي وقع عليه لبنان في القاهرة، وقد كان من المقرر أن يتراس رئيس الحكومة آنذاك المرحوم الرئيس رشيد كرامي الوفد الى القاهرة الا ان العبء وقع في آخر لحظة على العماد إميل البستاني الذي وقع ما وقع من أوراق .

وبذلك وقع لبنان في المحظور بتشريع العمل الفلسطيني الفدائي من لبنان وبالتالي سقوط الهدنة وسقوط حياد لبنان نهائيا وادخاله آتون الصراع العربي الإسرائيلي .

ه – في العام 1970 وفي شهر أيلول طرد الملك حسين الفلسطينيين من الأردن فاستقطبهم لبنان الذي بات الساحة المشرعة للعمل الفلسطيني ضد إسرائيل وقد سهل مسؤولون لبنانيون هذا اللجوء.

لكن العمل الفلسطيني المسلح والوجود الفلسطيني الضاغط على لبنان واللبنانيين وقصف الفلسطينيين لمطار بيروت أدى الى انفجار المواجهة العام 1973 بين الجيش اللبناني والفلسطينيين في عهد الرئيس سليمان فرنجية الذي وبعد القرار الشجاع الذي اتخذه بالمواجهة عاد عن قراره نتيجة الضغوط العربية والإسلامية التي مورست آنذاك عليه، عندها أدرك الرئيس فرنجية عمق الكارثة وهو الذب طلب عندها من المسيحيين التسلح لان الدولة باتت عاجزة عن حمايتهم .

ثم كانت اتفاقية ملكات التي ثبتت اتفاقية القاهرة فكان طهور وتأسيس الحركة الوطنية على يد الشهيد كمال جنبلاط وقوى اليسار لقلب النظام بالتحالف مع الفلسطينيين وتأمين المزيد من المشاركة في الحكم وإلغاء ما سمي بالامتيازات المارونية .

كل هذه الحقائق تؤكد ثلاثة أمور أساسية :

أ – ضعف لبنان والدولة عندما يوالي طرف لبناني دولة او جهة خارجية على حسابه وحساب مصالح اللبنانيين .

ب – سقوط لبنان الدولة عند منعه من ممارسة سيادته على ارضه بفعل التدخل الخارجي المدعوم داخليا .

ج – مخالفة قسم من اللبنانيين اتفاقية الهدنة التي كانت اهم من القرارات الدولية ولا سيما 1701 و1559 و1680 وسواها او اقله شبيهة لها .

فاتفاقية الهدنة العام 1949 لو طبقت لما وصل لبنان الى ما وصل اليه اليوم تارة عن يد الفلسطيني الذي عاد واعتذر للبنانيين ودخل اتفاقات أوسلو لنقل الصراع الى الداخل الفلسطيني المحتل وتارة عن يد السوريين وطوراً عن يد إيران وحزبها في لبنان وبالتالي لما كنا احتجنا إلى قرارات أممية .

فيكفي ان من يقرأ اتفاقية الهدنة يفهم ان الاتفاقية المذكورة منعت أي عمل عدائي من لبنان ضد إسرائيل او بالعكس كما منع الاعتداء من اخرين على الطرف الاخر وبالتالي اتفاقية الهدنة لم تحترم لبنانياً.

وبالتالي نيسان 73 كانت النتيجة لا السبب.. وهي لن تتكرر لكن المهم جداً أخذ العبر واستخلاص الحقائق التي لا تزال تصلح الى يومنا هذا ولو تبدل الممثلون .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: