لقد أصغى اللبنانيون جميعاً وجيداً الى صرخة امين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم، التي أطلقها في 28 نيسان 2025 بوجه الدولة اللبنانية، محمّلّاً اياها وحدها وأولاً مسؤولية اعمار ما تهدّم، تماماً كما أصغوا جيداً لسلفه الامين العام الراحل السيد حسن نصرالله حين كشف في 3 تشرين الثاني 2023 ان حزبه دخل حرب الاسناد منفرداً من دون استشارة لا دولة ولا خصوم ولا حلفاء بدءاً من الثامن من تشرين الاول 2023 وقد رأى اللبنانيون جميعاً وخاصة بيئة حزب نصرالله وقاسم ما جرّه قرار الاسناد على الحزب وقياداته وبيئته وأبنائها وبنى مناطقه الفوقية والتحتية، قتلاً واصابات وتهجيراً وتدميراً وانهيارات وتصدّعات.
اللبنانيون الذين اصغوا جيداً لكلمة قاسم توقفوا عند قوله “البعض يظن أنّ الدولة يجب أن تُطالِب دائمًا بأن تأخذ وتأخذ من دون أن تعطي شيئًا. ماذا تريد الدولة بعد؟ تقول إنها تريد أن تطبق الاتفاق، تريد أن ينتشر الجيش في جنوب نهر الليطاني، هذا تحقّق، المقاومة التزمت 100%” تذكروا سوابق الحزب في حرب تموز 2006 عندما تفرد بمثل ما تفرد مورطاً اللبنانيين محملاً الدولة اعباء ما اقترفه وفي هذا عبّر الرئيس فؤاد السنيورة بمثل ما تعبّر الدولة على لسان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء بما يشبه الرد على كلام قاسم في 15 تموز 2006: “لقد أعلنت الحكومة بصراحة ومنذ اللحظة الأولى لانفجار الأحداث أنها لم تكن على علم بما وقع ولم تتبنَّ العملية التي نفذها “الحزب” لأسر الجنديين الإسرائيليين… إن لبنان لا يستطيع القيام والنهوض إذا كانت الدولة فيه آخر من يعلم وأول من يُطالب”.
اما بالنسبة لمسؤولية الدولة في إعمار ما تسبّب في دماره الحزب في تموز 2006 فيتعهد السيد نصرالله في في 16 تموز 2006: “ما يهدّم وما يدّمر سيعاد بناؤه بعون الله سبحانه وتعالى وبالتعاون مع الدولة اللبنانية، ولكن نحن أيضاً كجهة معنية، عازمون على ان نكون جدّيين في إعادة بناء ما تهدّم. وانا أقول لكم من دون ان أدخل في التفاصيل ان لدينا أصدقاء جدّيين أيضا في هذا المجال لديهم قدرة كبيرة جدّاً على مساعدتنا بمال طاهر نقيّ شريف بلا شروط سياسية. لا قلق على أعادة اعمار بلدنا”. وبمثل ما تعهّد سلفه ونكث قال السلف الشيخ قاسم في 15 تشرين الاول 2024 متوجهاً الى الجنوبيين: “أعدكم وعدًا وعده سيدنا الأمين العام. أعدكم بأن تعودوا إلى بيوتكم التي سنعمرها وستكون أجمل مما كانت عليه. وقد بدأنا إعداد المقدمات لهذا الأمر”.
ليدعو قاسم في 5 كانون الاول 2024 الدول من الأشقاء العرب والدول الصديقة (التي ما ينفك يتهمها مخوّنا) للمساهمة في الإعمار، وهنا نقول على الدولة اللبنانية أن تُبرز مساهماتها الكريمة، ونحن نشكرها سلفًا. كما ندعو إلى أوسع مشاركة مجتمعية واغترابية وعربية وإسلامية وعالمية على المستوى الشعبي من أجل هذه المشاركة، وهذا شرف لكل من ساهم في إعادة الإعمار في بلدة أو قرية أو حي أو شارع أو مبنى. إعادة الإعمار هو تثبيت لدعائم الانتصار وهو مكرمة للمساهمين في سجل مواجهة العدوان الإسرائيلي الأمريكي، وهو تأكيد على استقلال لبنان وعنفوان أبنائه”، لتأتي مطالبة قاسم في كلمته تحت عنوان “التنمية والوفاء” امعانا بوقف اي تنمية بما سبّبه من دمار واستمرار في حالة الرفض والانكار،ونكثا بما سبق ان وعد من اعمار.
على الرغم من الطابع السلبي لمضمون خطاب قاسم تجاه الدولة ومستقبل دورها ومسؤوليتها، يستطيع المراقب انطلاقاً من رؤية “النصف الملآن من الكأس” ان يقع على واقع ايجابي متفائل في ثنايا الخطاب التحريضي على الدولة.
يقول قاسم: “نحن سلّمنا للدولة اللبنانية أن تكون هي المفاوض الأساسي، وهي المسلطة على حماية البلد، وهي التي تستخدم الجيش اللبناني من أجل القيام بواجباته في جنوب نهر الليطاني وفي كل لبنان”.
قيام الجيش اللبناني بواجباته في كل لبنان عطفا على واجباته في جنوب الليطاني يعفي مقاومة حزب قاسم من مهامها ويعفي سلاحه من دوره… في شمالي الليطاني ايضا وفي كل لبنان ولو أنكر الشعبويون.
يكشف قاسم في خطابه “نحن مع بناء الدولة. بل إذا راقبتم كل حياتنا وكل أعمالنا وكل نشاطاتنا خلال الفترات الماضية، كنا دائماً مع بناء الدولة. والآن مع بناء الدولة. أثبتنا أننا ونحن في قلب الحرب مع بناء الدولة. شاركنا بانتخاب رئيس للجمهورية، العماد جوزيف عون، بتوافق بيننا وبين حركة أمل، بتكاتف مع اللبنانيين حتى يُقلع البلد وحتى يسير البلد. هذا إنجاز، هذا معناه أننا مع بناء الدولة.اخترنا الحكومة وأعطيناها الثقة”، فاعطاء الحزب الثقة للحكومة اتى بناء على بيانها الوزاري والذي حصر السلاح في جنوب الليطاني وشماله وغربه وشرقه ببره وبحره وجوه بيد الدولة وحدها وكما قال رئيس الجمهورية في خطاب القسم “أكرر الدولة وحدها”، وفي النصف الملآن من كأس خطاب قاسم غابت قوة المقاومة ودور سلاحها في ردع العدو لتحل محلها القوة تلصوتية والصرخات والاتصالات والضغوط الدبلوماسية وذلك بقوله “ان المطلوب من الحكومة، من وزارة الخارجية اللبنانية، من كل المعنيين بالمتابعة أن يرفعوا الصوت عاليًا، أن يصرخوا، أن يكثفوا الاتصالات. كل يوم يجب أن يكون هناك تحرك، كل يوم يجب أن يكون هناك مطالبة. اضغطوا على أمريكا، أفهموها بأنّ لبنان لا ينهض من دون وقف العدوان”.
ليلتقي أخيراً الشق السيادي في كل من اتفاق الطائف والقرار 1559 و1701 واتفاق وقف اطلاق النار وخطاب القسم للرئيس جوزاف عون وبيان حكومة الرئيس نواف سلام وبيانات ودعوات ولسان حال مسؤولي وزراء القوات اللبنانية، مع ما ورد في خطاب نعيم قاسم بقوله “أنا أقول للدولة اللبنانية: قفي على قدميك جيدًا، تحركي بطريقة صحيحة”.