في الصورة البانورامية الكاملة للانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت في مراحلها الاربع في محافظات جبل لبنان، الشمال، عكار، البقاع، بيروت الجنوب والنبطية، ثمة خاسرون ورابحون ومتراجعون ومتقدمون، وثمة محافظون وفاقدون. وبانتظار تحليل الارقام التفصيلية في كل محافظة وقضاء ومدينة وبلدة وحي، التي نالتها اللوائح ورؤساؤها والاعضاء البلديين والمخاتير، وبانتظار معرفة حقيقة انتماءاتهم السياسية والحزبية والعائلية، وبانتظار تحليل نسبة تأييد الطوائف والمذاهب لهذا الطرف أو ذاك، ولهذا الحزب أو ذاك التيار وتلك الحركة او الشخصيات... نتوقف عند ما آلت إليه الأقضية المسيحية ومدنها وقراها والتي شهدت صراعاً وتنافساً سياسياً تنموياً عائلياً محلياً، تولّد عنها معاقل لحزب القوات اللبنانية في اقضية ولا سيما في بشري وزحلة ودير الاحمر، وقلاعاً للتيار الوطني الحر ولا سيما في جزين، طبعاً تستوجب الحالات تلك مزيداً من البحث والتحليل والتمحص والتبصّر لأخذ العبر والدروس منها، ولكن نكتفي بانتظار دراسة التحليل النهائي للأرقام بتسجيل ملاحظات معبّرة وسمت انتخابات 2025 في الأقضية المسيحية.
أولاً نتوقف عند محطة جبل لبنان في بلدية حارة حريك ذات الغالبية المسيحية ومسقط رأس مؤسس التيار الوطني الحر الرئيس السابق ميشال عون اذ جرى العرف ان تختار عائلات الحارة المسيحية مرشحيها للمجلس البلدي ويختار الثنائي ممثلاً بالحزب المرشحين الشيعة وعلى هذا الاساس تشكل اللائحة الموحدة بين الحزب والتيار الوطني الحر، اليوم وخلافاً للعرف اختارت قيادة التيار من دون العودة الى العائلات المسيحية وطبعاً بعد العودة الى الحزب المرشحين المسيحيين للمجلس البلدي ما دفع بمسيحيي الحارة الى مقاطعة الانتخابات البلدية وخوض الانتخابات الاختيارية ليحصد معارضو حلف الحزب - التيار المقاعد الاختيارية المسيحية كلها وعلى رأسهم بالأصوات المسيحية المختار المنتسب للقوات اللبنانية الى جانب من رشّحهم المخرج من التيار آلان عون.
ثانياً نتوقف للعبرة أيضاً عند محطة البقاع في زحلة كنموذج اذ "ضخ" الحزب ما يزيد عن 3100 صوت شيعي لانجاح لائحة المجتمعين المتجمعين لإسقاط لائحة قلب زحلة واسقاط القوات اللبنانية من خلالها لتصوّت زحلة مسيحياً بـ80 بالمئة من اصوات ووجدان الشارع المسيحي الزحلي ردّاً على تكليف الحزب الشرعي في عاصمة الكثلكة في لبنان ليتظهّر مع هذا التصويت المناوئ للحزب بالدرجة الأولى حقيقة مرتبة الحزب وثقافته وسياسته عند الأغلبية الساحقة من مسيحيي البقاع القاع ودير الاحمر والنموذج الحاسم الواضح زحلة.
ثالثاً نتوقف عند المحطة الاخيرة في محافظتي الجنوب والنبطية، في بلدية جزين وعند انتصار تحالف التيار الوطني الحرّ مع ابراهيم عازار (الثنائي) على تحالف القوات اللبنانية والكتائب والعائلات، اذ عبّر باسيل دون ان يقصد، عن سبب انخفاض شعبية التيار الوطني الحر في جزين وبقية الاقضية المسيحية على كامل 10452 محاولاً رد تهمة وعار التحالف مع الحزب الخارج والمطرود من الوجدان المسيحي اذ يقول في مؤتمره المحتفل بمحافظته على قلعته العونية: "أين يوجد حزب الله في جزّين؟ وإذا شمّت الناس رائحة وفيق صفا في جزّين نخسر ألف صوت، ونحن وحزب الله بالكاد نتواصل، ومع ذلك يتّهموننا بالتحالف معه".
ان رئيس "التيار" الذي اعتبر في ورقة تفاهمه مع الحزب في بندها العاشر ان سلاح الحزب "وسيلة مقدسة شريفة" والذي لطالما سلّم امره وحكم الست سنوات للحزب، وباسيل الذي سلّم حقوق المسيحيين لأمينه العام الراحل السابق حسن نصرالله بقوله له في 20 حزيران 2021: "أأتمنك على الحقوق"، وبعد ما كشفه الحاج وفيق صفا في 5 شباط 2019 ان جبران باسيل يعتبر السيد حسن نصرالله من القديسين"، هو نفسه يقرّ ويعترف بأن أبناء القلعة العونية المسيحيين يمقتون رائحة "وفيق صفا" بمن وما يمثل كما يمقتها جبران باسيل لادراكه متاخراً بأن مجرّد "ان يشتم مسيحيو جزين العونيون رائحة الحزب في قلعتهم المسيحية" يخسر التيار 1000 صوت من مؤيديه ويخسر معها اللائحة التي ذيلها مرشحوه الثمانية ملتحقين بالمرشحين العشرة لابراهيم عازار.
ما يؤكد الوعي المسيحي المتدرج للخيار السياسي الخاطئ المستمر بانتهاج التيار وعونه وباسيله المسار المخالف والمختلف عن النهج التاريخي الحقيقي والصحيح للمسيحيين والذي مثله ويمثله المسيحيون السياديون ما كان قد ذكره باسيل سابقاً من دون ان يستفيد من دروسه حتى مؤتمر انتصاره الهزيل اذ يقول جبران باسيل في 8 حزيران 2009 بعد هزيمته في الانتخابات: "قمنا بخيار سياسي لم يتبعه الناس ولم تفهم نتائجه، سوف يجري كل فريق قراءة لما يحصل ويستخلص العبر اللازمة منه. من الممكن أننا لم نعط العناية الكافية لمعالجة مخاوف الناس".
ليعود باسيل ويؤكد خلافه مع نفسه وتياره ومؤسسه في خياره واختياره في 2 شباط من العام 2018 في حديث لـ"Magazine": "إن الحزب يأخذ خيارات لا تخدم مصالح الدولة اللبنانية، وان كل لبنان يدفع الثمن"، وفي 24 نيسان 2024 حين قال: "أقل شيء احترام إرادة المكون المسيحي في الرئاسة واليوم هذا لا يحصل من قبل حزب الله وهم يمارسون نقيض ما فعلوه في العام 2016 حين احترموا هذه الإرادة بانتخاب العماد عون رئيساً".
مما تبيّن من القراءة الاولية للانتخابات البلدية وما سيتأكد بعد تحليل ارقامها وما بين سطورها "مسيحياً" وبانتظار تبيان الخيط الابيض من الاسود في ترجمتها السيادية في صناديق اقتراع المسيحيين في الانتخابات النيابية الحزبية والسياسية، نتأمل مستندين الى كل ما سبق بوعي ورجاء مسيحي مع ما ذكره السيد المسيح في انجيل لوقا 8: 17 من الكتاب المقدّس: "لأَنَّهُ لَيْسَ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ مَكْتُومٌ لاَ يُعْلَمُ وَيُعْلَنُ."