من الواضح أن أزمة الغلاء التي يعاني منها كل لبناني تطرح تحديات كبيرة أمام اللبنانيين في مجال الخدمات الإستشفائية، في ظل غياب التغطية الصحية للمواطنين عبر خدمات الضمان الإجتماعي بالإضافة إلى محدودية القيمة المالية لأي تغطية من قبل مؤسسة الضمان الإجتماعي بالمقارنة مع الأسعار الحقيقية لأي خدمة صحية أو استشفاء أو علاج أو أدوية.
وبينما يجد المواطن نفسه مضطراً وفي حاجة ماسة لشركات التأمين الخاصة من أجل الحصول على التغطية الإستشفائية والطبية، لا يمكن إغفال ارتفاع أسعار عقود وبوالص التأمين، والذي بات دورياً ومن دون أي سقف ومرتبطاً بالتضخم المسجل في كل القطاعات.
وفي كانون الثاني 2025، ارتفعت بوالص التأمين بنِسب معيّنة، واستمرّ هذا الارتفاع تدريجيًا ما فاقم الأعباء المالية على المواطنين وسط غياب أي تنظيم أو رقابة فعلية على الأسعار، وبلغت نسبة الزيادة منذ أن كان سلام وزيراً وحتى اليوم نحو 40%.
ومن هنا، فإن هذا الواقع يطرح علامات استفهام حول طريقة عمل شركات التأمين المتفلتة من أي رقابة رسمية أو حتى صحية جدية، بذريعة العجز من قبل الدولة عن تغطية كل اللبنانيين صحياً.
إلا ان الفضائح التي تكشفت حول عمل بعض هذه الشركات، تشير إلى ما مارسته شركات التأمين من خطوات ظالمة بحق الأطراف والمواطنين المتعاقدين معها.
وبالعودة إلى بضع سنوات خلت، يبرز ما واجهه كل المتضررين من تفجير مرفأ بيروت، من إشكالية مع شركات التأمين التي امتنعت عن الإلتزام بالعقود الموقعة معها، بحيث قامت بتسديدها وفق سعر صرف دولار غير حقيقي، اضافةً إلى التصرف من دون أي رقيب على أعمالها أو حتى الأرباح التي حققتها في ظل الظروف الصعبة التي واجهها المجتمع منذ الانهيار المصرفي في العام ٢٠١٩ حتى أتى انفجار المرفأ ليحل كارثةً على المواطنين الذين وقفوا بمفردهم في مواجهة شركات التأمين التي لم يعمل بعضها إلا على تحقيق ارباحها وما زالت إلى اليوم لم تعد لأصحاب الحقوق حقوقها.
ولذلك فإنه من الضروري التركيز اليوم على واقع التأمين والقوانين المعتمدة والمخالفات التي تقوم بها بعض الشركات المعروفة، وبشكل خاص لجهة التهرب من الكشف عن عملياتها ونسب الأرباح التي تحققها، وذلك بنتيجة تراجع أو انعدام الرقابة من قبل الأجهزة المعنية وبمقدمها وزارة الاقتصاد عن عملية مخالفة القوانين اللبنانية.
وفي هذا المجال يشار إلى أن وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، والذي يواجه اليوم جملة ادعاءات واتهامات بمخالفة القانون، كان قد سبق وأن تشدد في متابعة أعمال شركات التأمين من خلال لجنة الرقابة على هيئات الضمان، وهو على سبيل المثال طبق المعيار ١٧ المتعلق بشركات التأمين والذي يمنع أي شركة من التهرب عن التصريح بكل عملياتها بمعنى أن حسابات شركات الضمان تصبح مكشوفة أمام الدولة، علماً أن القانون يلزم بتطبيق هذا المعيار منذ العام ٢٠١٧.
ومن المعلوم ان وزير الاقتصاد الأسبق راوول نعمة كان قد كلف شركة اجنبية من خلال الاتفاق المباشر على تنفيذ العملية بكلفة مليون ومئتي الف دولار للقيام بأعمال الرقابة وتطبيق هذا الإجراء إلا ان استقالة الحكومة قد أوقفت العملية.
وعندما تولى الوزير سلام وزارة الاقتصاد، وفي سياق المتابعة، أجرى عملية استدراج عروس بحيث شاركت ٣ شركات، وهي الشركة التي كانت قد تقدمت سابقاً بالإضافة إلى تقديم شركتين الأولى ماليزية عرضت إنجاز المشروع بقيمة ٦٦٠ ألف دولار والثانية بقيمة ٩٠٠ ألف دولار.
ولما كانت المعايير المحددة من قبل الوزارة تتوافر لدىزالشركات الثلاث، فإن الوزير سلام اختار الشركة الماليزية، من أجل تخفيف الكلفة على الخزينة العامة، فتعاقد معها، علماً أنها بالأساس شركة بريطانية انما تملك فرعاً في ماليزيا.
ولم يأت قرار التعاقد مع الشركة الماليزية الا بعد اجراء مناقصة ثانية تقدمت اليها الشركات الثلاث إضافة إلى شركة رابعة حددت في عرضها ٤٠٠ ألف دولار لتنفيذ المهمة، ولكنها لم تكن مستوفية لشروط العقد المطلوبة والتي تشمل تذاكر السفر .
وتؤكد مصادر متابعة لموقع LebTalks أن الدولة ملزمة بتطبيق المعيار ١٧ لأنه في حال تخلفها، فإن كل شركات التأمين ستواجه عندها خطر الغاء شركات اعادة التأمين كل تغطياتها في لبنان.
واللافت هنا، أنه وبنتيجة عدد الشكاوى الكبير الذي تلقته وزارة الاقتصاد، حول مخالفات قامت بها شركات التأمين بعد تفجير مرفأ بيروت وعدم الإلتزام بما وقعته مع مؤسسات ومواطنين، قرر الوزير سلام القيام بعملية تدقيق جنائي من اجل متابعة المخالفات التي تقوم بها شركات التأمين، وقد كلف شركة ايلي عبود كوكيل لشركة اجنبية هي UHY، بأعمال التدقيق، فتبين عندها أن شركات التأمين الـ6 التي تغطي اكثر من 95 بالمئة من تعويضات المتضررين من تفجير المرفأ، قد قبضت كامل قيمة التعويضات من معيدي التأمين اي شركات اعادة التأمين، ولكنها بدلاً من أن تدفعها بالكامل للمتضررين، فاوضت أصحاب الحقوق على قيمة التعويضات التي يحق لهم الحصول عليها، وبذريعة ضبابية التحقيقات، وذلك من اجل دفع ما نسبته 15 او 25 بالمئة فقط من المبالغ التي حصلت عليها هذه الشركات في الأساس، وأجبرت المتضررين على توقيع براءات ذمة .
وتكشف المصادر أن هذه الشركات الـ6 قد قبضت كل قيمة التعويضات المالية عن المتضررين ولم تدفع لهم سوى نسبة متدنية بحجج واهية، وقد وصلت قيمة المبالغ التي اختلستها هذه الشركات 500 مليون دولار.
وتحدثت المصادر عن فضيحة ثانية على هذا المستوى قد ارتكبتها شركات التأمين، وهي أنها كانت تقبض الأموال من معيدي التأمين بالدولار الفريش ولكنها تصرح عن أعمالها وفق دولار الـ1500 دولاراً، ما تسبب بهدر ملايين الدولارات والتي خسرتها الخزينة العامة، وبلغت 39 مليون دولاراً، وقد ذكر هذا الأمر منذ أيام رئيس لجنة الرقابة الحالي، خصوصاً وان تقرير التدقيق الجنائي موجود اليوم في وزارة الاقتصاد، ولكن لم يسجل اي إجراء أو تحقيق أو متابعة بشأن ما تضمنه من ارتكابات.