بين الحكيم والشيخ نعيم

samir geagea

كتب الدكتور شربل عازار:

الحوار قائمٌ في لبنان  بين مختلف المكوّنات ولو بِدون “طاولة” مستديرة او مستطيلة.

عندما يتوجّه الدكتور سمير جعجع الى الشيخ نعيم قاسم بكلّ رقيّ، لكن بكلّ وضوح لأنّه مُقتنع اقتناعاً عميقاً بما ناضَلَ من أجلِه فَدَفَعَ لذلك أثماناً غير مسبوقة في تاريخ لبنان، كَمِثلِ إدخاله المُعتَقَل لما يزيد عن إحدى عشر عاماً، بسبب رفضِه دخول “جنة السلطة” في ظلّ “هيمنة واحتلال” تحت يافطة “وجود شرعي وموقّت”، عندما يتوجّه الدكتور جعجع الى الشيخ نعيم يكون هذا حواراً مثاليّاً لأنّه حوارٌ بين الشَخصَين الأكثر إختلافاً عقائديّاً والأكثر تمثيلاً وتأثيراً على الساحة اللبنانيّة بِفِعلِ قيادتهما لأكبر حِزبَين فيها.

فالدكتور جعجع وكما أسلَفنا هو هو منذ نشأتِه، هو يسعى لبناءِ دولةٍ فعليّةٍ فاعلةٍ قادرةٍ مستقلّة، دولة مُسَيَّجَة تحمي حدودَها بقواها الذاتيّة، دولة خالية من الفساد وتطبّق قوانينها على الجميع من أعلى الهرمِ الى أسفَلِه، دولة تعمل لصالحِ شعبِها فتؤمِّن له العَمَلَ والعِلمَ والطبابةَ والشيخوخةَ  والاستقرارَ والازدهارَ والعيشَ الكريم، هذا هو مشروع سمير جعجع.

من جِهته الشيخ نعيم قاسم، ودون أن أنسُبَ له أي شيء من عنديّاتي، هو يُؤمِن “بدولةٍ إسلاميّةٍ مركزيّةٍ عاصمتها طهران  يكون لبنان جزءاً لا يتجزّأ منها. هو يُؤمِنُ بدولةٍ يَحكُمُها، بانتظار مجيء “المهدي المنتظر”، يَحكُمُها مُرشِدٌ أعلى ووليٌّ فقيهٌ تكون أوامره وتعليماته وحتى تمنيّاته على أتباعه في لبنان، أعلى من مرجعيّة الدولة اللبنانيّة وأعلى من الدستورِ اللبناني وأحكامِه وقوانينِه ومبادئه”.

هذا الاختلاف في النظرة الى لبنان يجعل من موضوع “السلاح” تفصيلاً ثانويّاً لأنّ “الانتماء” هو المرض والعِلَّة، و”السلاح” هو العوارض.

الشيخ نعيم قاسم قال، ربّما ردّاً وتعليقاً على تصريح دولة الرئيس نبيه برّي، قال أنّ “حزب الله ليس على الحياد في الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، وأنّ “حزب الله” سيتصرف بما يراه مناسباً في مواجهة هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم”.

الدكتور جعجع أجاب: “شيخ نعيم، لا تستطيع التصرّف بما تراه مناسباً.

وحدها الحكومة اللبنانيّة تستطيع التصرّف بما تراه مناسباً، وإذا كان لديك اقتراحاً ما، فَحَمِّله لوزرائك ليطرحوه في مجلس الوزراء”.

كلامٌ حكيمٌ من رَجُلِ دولة من الطراز الرفيع.

من هنا نعتقد أنّه كان من الأفضل على السلطة التنفيذيّةِ “مجتمعةً” أن تُجِيبَ على ما طرحه وزير الخارجيّة عليها لناحية إعادة التأكيد على الموقف اللبناني الرسمي بعد التصريح العلني المعاكس لأمين عام حزب الله.

عندما يُقال أنّ على الحكومة اللبنانيّة استعادة قرار “الحرب والسلم” فبالواقع هي مطالبة باسترجاع “قرار الحرب” لأنّ الدولة هي أصلاً مع “قرار السلم”، فيما “قرار الحرب” هو مع “حزب الله” وبالتالي مع المرشد الأعلى “لحزبِ الله”.

للأسف، لا “منطقة وسطى” يتلاقى عليها اللبنانيّون المنقسمون بين فئةٍ مُنتَميةٍ فكراً وروحاً وعقيدةً الى “محورٍ” بقيادة “الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة”.

وبين فئةٍ مُتمسّكةٍ فكراً وروحاً وقلباً وقالباً بلبنان  وبالجمهوريّة اللبنانيّة حَصراً.

الحلّ لمعضلتنا في هذه الحال هو بأمر من إثنين:  إمّا أنّ الفريق المتمسّك “بنهائيّة لبنان” يتخلّى عن انتمائه هذا ويلتحق  “بالمحور الإيراني”.

وإمّا أنّ الفريق المتمسّك بانتمائه الى “المحور الإيراني” يعود الى كَنَفِ الدولة اللبنانيّة ودستورها وقوانينها.

لعلّ “الذكاء الاصطناعي” والـ”غوغل” والـ”شات ج.ب.ت” تَجِدُ لنا حلّاً آخَرَاً بعد أن انتصرت التكنولوجيا على الايديولوجيا وعلى الجيوش الكلاسيكيّة الآتية من الزمن الماضي.

أما لاحظتم أنّ إسرائيل حاربت “حزب الله” وضربت سوريا واليَمَن وإيران ولم يتحرّك جيشها مِن ثكناته؟

عندما شاهدت، منذ عشرات السنين، في صالات السينما في أوروبا فيلم “حرب النجوم”، “stars war” اعتقدت أنّه فيلم من نسجِ “الخَيال العلمي” الذي من المستحيل أن يصبح حقيقة.

كم كنت مُخطئاً.

أنظروا الى الحرب اليوم،

إنّها حربُ مخابرات و”أمن سيبراني” وتجميع “داتا” و”تكبيس أزرار”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: