الأستاذ في القانون الدولي المحامي انطوان صفير
يبدو أن الأزمات المستفحلة قد وصلت الى معالم الإنهيار هنا وهناك، مطيحة بالخدمات الأساسية لا بل بالقطاعات الأساسية كالإستشفاء والدواء والوقود، وكأنه كُتب على أهل لبنان أن يعيشوا كل عقد أو عقدين من الزمن حفلة مرّة من إهانة الكرامات على الطرقات في سبيل العيش الكريم والحر، وكأنه كُتب عليهم أن يدفعوا ثمن الحرب في الحرب وثمن السلم في السلم.
هي أسئلة وجودية يتطلع اليها اللبنانيون وكأنها حلم،
أين المحاسبة والمسائلة والمقاضاة؟
أين التدقيق الجنائي وتحميل المسؤوليات لمن أوصل البلاد والعباد إلى الدرك الذي وصل اليه لبنان؟ وكأن المسار مستمر، وكأنه قبل ١٧ من تشرين وبعده يستمر القطار حيث هو، وكأن لا مساءلة والحوار مفتوح على خطابات تافهة لا تؤدي إلا إلى مزيد من الإنهيارات،
والأسئلة كثيرة وكبيرة وخطيرة ومتشعبة، فالقطاعات الأساسية أصبحت في وضع كأنها غير قادرة على تقديم الخدمات ولو في الحدود الدنيا، وكأننا في خطر حرب من نوع ٱخر، لا تتعلق بالأمن الأمني بل بالأمن الاجتماعي حيث المجتمع بحاجة الى خدمات أساسية لا يمكن للدولة، كما يقولون، أن تقدمها بعد اليوم، لماذا؟ لأن المال قد وُضعت اليد عليه وفرغت خزينة الدولة، كما أن المصارف لا تعطي الناس ما لها من حقوق، فهذا يتذرع بذاك وذاك يتذرع بهذا، بين قطاع مصرفي ومصرف لبنان والدولة، دفع المودعون ودفع غير المودعين من أهل لبنان الذين لا يمتلكون مالاً من هنا وهناك الثمن غالياً، وربما سيدفعون أكثر إن لم يصرخوا صرخة حقّ تقول بالحق لا بالباطل ولا بالتبعية وتخرق هذا الجدار الذي يتحكم بنا وبأولادنا من بعدنا، وهذا الخيار لا يكون حقاً إلا بصناديق الإقتراع حيث سيقولون ما يجب أن يقولوا، فلا المال السياسي قادر أن يشتري كل الضمائر، ولا المال الإنتخابي يستطيع هذه المرة أن يطوع إرادة الشباب والشابات الذين يريدون مستقبلاً حراً، فأي حرية عندما يُشرى الناخبون بكراتين من الأطعمة أو الأدوية أو الخدمات البسيطة التي على الدولة أن تؤمنها وهي حق أساسي من الحقوق الإنسانية التي تحدثت عنها الشرائع التي تتحدث عن حقوق الانسان، ولبنان مؤسس وعامل في شرعة حقوق الإنسان والأمم المتحدة وشعبه حر في البداية، ولكنه كي يستحصل على حريته في النهاية عليه أن يعرف من يختار وكيف يختار، فالتبعية أدت الى انهيار البلاد، فالقول بقول الزعيم هذا او ذاك “عالعميانة” أوصلت الى تغيب الشباب المشرع عن البرلمان وكأننا فقط نعيش في ظل طبقة “البيزنس السياسي” فإما تمتلك المال لشراء الضمائر وإما لا تكون قادراً على صيانة مجتمع كُتب له أن يكون حراً إذا أراد، والعبرة تكون قبل الإنهيار وفيه وبعده في صناديق الإقتراع، هناك حيث الأمل ولو بعد سنة.