كتبت أمل شموني في صحيفة “نداء الوطن”:
عكست تصريحات المبعوث الأميركي توم برّاك اهتمام الرئيس ترامب وإدارته بالشأن اللبناني والفرص المستقبلية للبنان، لكن كلام برّاك في بيروت اعتُبر بأنه حمّال أوجه. فهو أعرب عن امتنانه لاستجابة لبنان “المدروسة والسريعة” للورقة التي قدّمها، لكنه لم يخف خشيته من أن يُترك لبنان وحيدًا بينما قطار التغيير يهبّ على المنطقة بأكملها. ويمكن تلخيص الموقف الأميركي بآخر جملة قالها برّاك في القصر الجمهوري اللبناني إذ أشار إلى أن ترامب مقدامٌ لجهة اتخاذ القرارات لكنه يفتقر إلى الصبر. وهو ما يعكس الموقف الواضح للبيت الأبيض والذي يشير إلى أن “المهل بدأت تضيق أمام اللبنانيين”.
في الإطار عينه، أشار مصدر قريب من وزارة الخارجية الأميركية إلى أن برّاك وصف الوضع اللبناني بـ “دبلوماسية المستثمر المساوم”، ساعيًا في كلامه للتوضيح أن الفرصة سانحة، لكنها قد تكون الفرصة الأخيرة أمام اللبنانيين. وتوقّف المصدر أمام أهميّة ما قاله برّاك إن على كل الأطراف في لبنان التنازل عن بعض المكاسب لا سيّما “حزب اللّه”. فقد اعتبر محللون أن لبنان لم يعد يملك “ترف الوقت”، فالتغيير حاصل في المنطقة بسرعة قصوى، وعلى اللبنانيين حزم موقفهم. من جهة أخرى، لفت بعض المحللين إلى أن برّاك وقع في زلة لسان عندما تساءل إذا كان “حزب اللّه” حزبًا سياسيًا. وأشار المحللون إلى أن “حزب اللّه” بالنسبة إلى واشنطن هو categorically “جماعة إرهابية لا يمكن تطبيع العلاقات معها”.
وردًّا على سؤال حول الردّ اللبناني، قال مصدر في البيت الأبيض إنه ستتمّ دراسة الردّ واتخاذ الموقف المناسب منه. وهذا الموقف “سيعكس سياستنا تجاه لبنان”. لكنّ المصدر شدّد على أنّ عدم وجود جدول زمني واضح يعكس رغبة لبنانية جلية في بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها ليس بالأمر الإيجابي. فعلى لبنان أن يقتنع بأنه “دولة ذات سيادة ويتصرّف على هذا الأساس قبل مطالبة المجتمع الدولي بمعاملته على هذا الأساس”. من هنا، تخشى واشنطن من تقاذف الرئاسات الثلاث اللبنانية الكرة كلّ واحدة إلى ملعب الآخر، فيما يبدو أن “حزب اللّه” ليس بوارد تسليم سلاحه إلى الدولة من دون الحصول على “جوائز” تضمن استمراريته وقدرته على عرقلة الجهود السياسية، وهو ما لن تقبله لا واشنطن ولا تل أبيب ولا السعودية. وشدّد المصدر على أنّ على “حزب اللّه” أن يتحمّل مسؤوليته لجهة المساعدة في إيجاد الحلّ الذي يسمح للبنان بالانطلاق، لأن ذلك يساهم إيجابًا في مساعدة بيئته أكثر مما يساعدها تمسّكه بالسلاح.
وقال المصدر إن اللبنانيين يحاولون التذاكي لجهة تقديم ورقة مدبّجة بالكلمات الرنّانة، لكن عليهم أن يعوا أن واشنطن لن تذهب إلى لبنان لنزع سلاح “حزب اللّه”، كما أن إسرائيل لن تسمح للوضع بالعودة إلى الوراء. وإذا لم يعمد اللبنانيون إلى ترتيب بيتهم الداخلي، “لن يأبه أحد بهم”، مشيرين إلى أن برّاك قال بوضوح إنّ التغيير لا بدّ من أن يبدأ من الداخل، وعلى اللبنانيين التعامل مع هذا التحدّي.
وعن مقاربة برّاك لاتفاق وقف إطلاق النار، علّق مصدر دبلوماسي أميركي بالقول إن عدم ارتياح الجانب اللبناني لبنود اتفاق الأعمال العدائية “1701-2.0” ليس مشكلة أميركية… فاللبنانيون كانوا “يسابقون الريح” للتوصل إلى وقف الأعمال العدائية لأن “حزب اللّه” لم يعد يحتمل الخسائر… “وهم اليوم يسعون لكسب الوقت رغم خسارة كامل محورهم!”. ويضيف المصدر أن واشنطن لن تقف بوجه إسرائيل أو ردعها عن ملاحقة “حزب اللّه”. لا بل إن إضعاف “حزب اللّه” وجعله لاعبًا داخليا ضعيفًا بعد أن كان لاعبًا إقليميًا يصبّ في صلب السياسة الأميركية الحالية الهادفة إلى تفكيك الميليشيات في المنطقة إفساحًا في المجال لرسم شرق أوسط جديد.
ورغم أنّ لبنان، بالنسبة للبيت الأبيض موجود على لائحة اهتماماته إلّا أنّ الأولوية هي لحلّ مسألة غزة، والمقاربة الجديدة من إيران، والاحتضان الإيجابي لسوريا. صحيح أن واشنطن مستعدة للمساعدة في تحسين علاقات لبنان بجيرانه، لكنها لن تفرض على بيروت أي شيء. لا بل هي مستعدة to subcontract الملف اللبناني إلى إسرائيل وحتى سوريا لاحقًا.
فتل أبيب، بحسب المصدر، لن تقبل أن يتعرض أهالي شمال إسرائيل لأي خطر بعد اليوم. وإن لم يعمل لبنان على تنفيذ 1701 بكامل مندرجاته بالسرعة المطلوبة، فإن إسرائيل ستتكفل بذلك بحسب ما تراه مناسبًا لمصالحها. والإدارة الأميركية متفهمة لهذا الأمر، خصوصًا أن “حزب اللّه” لا يزال على لائحة الإرهاب. من جانب آخر، شدّدت المصادر على ما قاله برّاك حول أن إسرائيل تريد السلام مع لبنان، واصفة ذلك بالمهمّ جدًا. كما أنه يعكس رغبة الرئيس الأميركي وإدارته في إتمام هذا الملف.
في موازاة ذلك، لفت بعض المحللين إلى أنّ وجود أحد مساعدي السيناتور جين شاهين، كبيرة الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، مع برّاك، يعكس اهتمام الكونغرس بالمسألة اللبنانية خصوصًا لجهة تساؤلات بعض أعضاء الكونغرس حول المساعدات الأميركية للجيش اللبناني والمطالبة بوقفها، ويعزون ذلك إلى أن الجيش اللبناني لا يؤدي كامل مهمته في بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها. وتوقع المصدر أن يتردّد صدى هذه الأصوات في الكونغرس في المستقبل القريب إذا لم تترجم المواقف اللبنانية إلى أفعال حقيقية.