ستريدا جعجع: مهرجانات الأرز رسالة وطنية تتخطّى الفنّ… وهذه أبرز تحدّياتنا

sethrida

كتبت جوزيان الحاج موسى في صحيفة “نداء الوطن”:

تُعدّ مهرجانات الأرز الدولية التي تحتضنها منطقة بشري سنويًّا من أبرز المشاريع الثقافية والإنمائيّة والسياحيّة في لبنان ولا نبالغ إن قلنا في الشرق الأوسط. فمنذ إعادة إطلاقها عام 2015 بمبادرة ومتابعة ومثابرة من النائب ستريدا جعجع، تحوّلت تلك المهرجانات إلى حدث استراتيجي مميّز يعزّز موقع بشرّي على خارطة السياحة الثقافية والفنيّة في لبنان.

وفي لقاء خاص مع “نداء الوطن”، كشفت ستريدا جعجع، رئيسة لجنة المهرجانات، عن تفاصيل الدورة المقبلة لهذا العام، متطرّقة إلى جوانب لم تُطرح سابقًا في الإعلام، بما في ذلك كواليس التحضير والتحدّيات اللوجستية والإدارية التي واجهها فريق العمل. لطالما رأى كثيرون في مهرجانات الأرز حدثًا فنيًا وثقافيًا وسياحيًا بامتياز، يعيد تسليط الضوء، ويعزّز الحركة الاقتصادية في بشرّي والأقضية المجاورة من خلال تنشيط قطاعات السياحة والخدمات وخلق فرص عمل موسميّة للشباب. وقد اعتبرها البعض مشروعًا إنمائيًا متكاملًا، فيما رآها آخرون منصّة لإبراز صورة لبنان الحضارية رغم أزماته المتلاحقة.

ستريدا جعجع تكشف كواليس مهرجانات 2025  

خلف كلّ تلك الأبعاد، تبرز حقيقة أساسية لا يختلف عليها اثنان: أنّ هذه المهرجانات ما كانت لتبصر النور أصلًا، ولا لتستمرّ بهذه القوة والانتظام، لولا الدور المباشر للنائبة ستريدا جعجع. فالحديث معها يكشف أنّ كل تفصيل من التفاوض مع الفنانين وتأمين التمويل والرعايات، إلى إدارة الفرق اللوجستية والتقنية وذلك بإشرافها الشخصي ومتابعتها الدقيقة، ما يعكس شخصيّتها القياديّة التي تعتبر المهرجانات جزءًا أساسيًّا من التزامها السياسي والإنمائي تجاه بشرّي وبلدات القضاء وأهله.

ما قد يغفله الكثيرون هو أن ستريدا جعجع لم تتعامل يومًا مع مهرجانات الأرز الدولية كحدثٍ موسميٍ عابر، بل كمشروع استراتيجيّ يتطلّب إدارة صارمة وجهدًا حثيثًا متواصلًا وقرارات حاسمة، تستند أحيانًا إلى ما تصفه أوساطها بـ “الإرادة الفولاذية”، لضمان نجاح المهرجان وظهوره بالصورة التي تليق بتاريخ الأرز وبشرّي ولبنان عمومًا.

نحن ندفع كلّ الضرائب المستحقة لنقابة الفنانين وصندوق التعاضد…

تكشف جعجع أنها، على عكس مهرجانات أخرى، رفضت دائمًا القول إن مهرجانات الأرز تخسر كي تحصل على دعم ماليّ من الدولة. وتوضح أنّ اللجنة تتحمّل كامل الأعباء الماليّة، بما في ذلك دفع الضرائب المستحقّة لنقابة الفنانين وصندوق التعاضد، فيما يقتصر دور الدولة على الدعم المعنوي فقط. “نحن ندفع كلّ الضرائب المستحقة لنقابة الفنانين وصندوق التعاضد وغيره… والدولة تكتفي بالدعم المعنوي فقط”.

أما عن الانعكاس الاقتصادي، فتوضح جعجع أنّ أعداد الحضور هذه السنة ستصل إلى حوالى:

12 ألف شخص في الليلة الأولى، في 19 تموز 2025 مع فرقة مياس اللبنانية العالمية.

12 ألفًا في الليلة الثانية، في 26 تموز 2025 مع الفنان وائل كفوري.

6 آلاف في الليلة الثالثة، في 30 تموز 2025 مع الدي جي العالمي Black Coffee

وتؤكّد: “الانتعاش الاقتصادي سينعكس مباشرةً على الفنادق، المطاعم، السوبرماركت، المحال التجارية، محطات الوقود، وحتى المواقع السياحية والدينية مثل وادي قنوبين، دير مار شربل، مغارة قاديشا، غابة الأرز الدهرية، مار الياس حدشيت، وغيرها ….” وتقدّر اللجنة حجم الإنفاق العام في المنطقة خلال المهرجان بعشرات آلاف الدولارات التي تحرّك العجلة الاقتصادية بشكل كبير.

مهرجانات الأرز… حين تلتقي الثقافة بالفكرة الوطنية

في كل دورة من مهرجانات الأرز، لا يقتصر الهدف على الترفيه والفن، بل تحمل العروض رسائل وطنية وثقافية عميقة تُصاغ بعناية. تؤكد النائبة ستريدا جعجع أنّ لكل مهرجان فكرة وطنية محورية تُحدّد خلال جلسات عصف ذهني مكثفة مع اللجنة التنظيمية، بما يعكس هويّة لبنان وتاريخه وحضارته.

هذا العام، تستهلّ أولى ليالي المهرجان في 19 تموز بتكريم المرأة اللبنانية من خلال عرض فني لفرقة “ميّاس” اللبنانية العالمية. ويتضمّن العرض لوحة افتتاحية راقصة تجسّد أرز لبنان، إلى جانب لوحة تكريمية لوادي قنوبين، تتناول قصة حياة الفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران بوحي من كتابه “النبي”، بمشاركة نحو سبعين راقصة، في تجسيد إبداعيّ عابر للحدود. كما يكرّم المهرجان مدينة زحلة وأهلها من خلال إطلالة الفنان وائل كفوري، حيث تؤكد جعجع أن زحلة هي القلب النابض للبنان، ورمزٌ للفن والعنفوان. أما جيل الشباب، فيخصّص له المهرجان ليلة مميزة مع الفنان العالمي بلاك كوفي، أحد أبرز صنّاع الموسيقى المباشرة في العالم، والحائز أكثر من ثماني جوائز تقديرية عالمية، في رسالة تحتفي بطاقة الشباب وأحلامهم المفتوحة على العالم.

19 سفيرًا في افتتاح مهرجانات الأرز هذا العام

تشير رئيسة لجنة المهرجانات النائب ستريدا جعجع إلى أن اللجنة تضمّ نحو 250 شابًا وصبية من بشرّي والمنطقة، يشاركون في تنظيم المهرجان، موزّعين على لجان متعدّدة تشمل لجنة البروتوكول، لجنة الـ Food Court، لجنة المصوّرين، إضافة إلى لجنة الطلاب الذين يهتمون باستقبال الزوار في جادة سمير فريد جعجع، حيث يرحّبون بهم ويقدّمون لهم الماء والحلويات المصنوعة في بشرّي خصيصًا لهذه المناسبة كرمز للضيافة. وتقول: “نحن نعتبر أنّ الزوار هم من أهل منطقة بشرّي. هذا أقل واجب تجاههم”. وتوضح جعجع أن ّكل لجنة ضمن اللجان التنظيمية تتولّى مهام دقيقة لضمان نجاح المهرجان. كما لفتت إلى الحضور الدبلوماسي المميز هذا العام، حيث يشارك في افتتاح المهرجان 19 سفيرًا إلى جانب شخصيّات رسمية رفيعة، في دليل على أهمية هذا الحدث على المستويين الثقافي والدبلوماسي.

ستريدا جعجع: راحة الزائرين أولوية

توضح رئيسة لجنة المهرجانات النائب ستريدا جعجع أنّ العبء المالي للمهرجان يقع بالكامل على عاتق اللجنة، فيما يقتصر دعم وزارتي السياحة والثقافة على الجانب المعنوي دون تقديم أي مساعدات مالية مباشرة. وتضيف ممازحة: “أصعب شيء هو لملمة المصاري وتأمين الرعاة والداعمين… يعني القلّة بتولّد النقار”! وتضيف متطرقة إلى الكلفة العالية للمهرجان هذا العام: “كلفة المهرجان هذه السنة عالية جدًا… شو بدي قلك تقلك؟ لكن للدولة دور رمزي، ومن واجبنا ومن محبتنا أن نقف إلى جانبها. لكن رغم كل هذه الصعوبات، النجاح بيمحي كل التعب”. كما شدّدت جعجع على أهمية حماية حقوق الزائرين، مؤكدة التنسيق مع وزارة الاقتصاد لتطبيق القوانين المتعلقة بحماية المستهلك، بما يضمن التسعير العادل في المطاعم والفنادق والأسواق التجارية خلال أيام المهرجان. وأوضحت أن ذلك يتم بالتعاون مع اتحاد بلديات قضاء بشري، وبالتنسيق مع الشرطة السياحية وشرطة البلديات، للتحقق من التزام المؤسسات بالتسعيرة الموحدة وإعلانها بشكل واضح أمام الزبائن، حفاظًا على الشفافية ومنعًا لأي استغلال، مع تحرير محاضر ضبط بحق المخالفين لضمان حقوق الزوار.

جعجع للمغتربين: لبنان أحق بكم من أي وطن آخر

وسط التحضيرات المكثفة لمهرجانات الأرز هذا الصيف، حرصت النائب ستريدا جعجع على توجيه رسائل وطنية تحمل الأمل والثبات رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان. وتختم جعجع حديثها بالقول: “هذا هو مهرجان الأرز… أرز لبنان، الأرزة تعلمنا الصبر والإيمان والثقة. عندما تنظرون إليها، رغم كل المصاعب، ترونها واقفة وثابتة بقوة. هذه هي صورة أرز الرب ولبنان الذي نؤمن به حتى في أصعب الظروف”. وفي رسالة مؤثرة توجّهها إلى اللبنانيين المغتربين، تقول جعجع: “حان وقت التفكير بالعودة إلى لبنان. الوطن بحاجة إليكم وإلى طاقاتكم. لبنان أحق بكم من أي وطن آخر”.

لكلّ من يظن أنّ لبنان قد تلاشى وسط أزماته المتلاحقة، تؤكد مبادرات كهذه أن هناك من لا يزال يحمل لواء كرامته وسيادته. فمهرجانات الأرز اليوم لم تعد مجرد فعالية فنية، بل أصبحت نبضة حياة تُعيد رسم ملامح وطن يليق بأبنائه. كلّ خطوة تُبذل هنا تحمل هدفًا ثلاثيًا واضحًا: تعزيز دور لبنان في احتضان الإبداع ونشره، إبقاء صورته مشرقة رغم كل العتمة، وترسيخ ثقة اللبنانيين بأرضهم وتجذيرها في أعماقهم من جديد. إنها بطاقة عبور نحو الرجوع الآمن، وتذكرة ثقة لكلّ مغترب فقد الإيمان بأنّ لهذه البلاد مستقبلًا. ففي لحظة يتكاتف فيها أهل العزم والإرادة، يُعاد بناء الأوطان مهما اشتدّت رياح الانهيار.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: