في إطلالة جديدة للأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، بدا الخطاب وكأنه تكرار للأسطوانة المشروخة نفسها التي ما زالت ترفض التقدّم خطوة واحدة نحو مصلحة الدولة، متشبثةً بمعادلات لم تعد تُقنع حتى جمهور الحزب، في ظل المتغيرات الكبرى التي تعصف بالمنطقة ولبنان على حدّ سواء.
ففي وقت ينهار فيه ما تبقّى من بنية الدولة، وسط أزمة مالية خانقة وشلل مؤسساتي غير مسبوق، يأتي خطاب قاسم ليتجاهل التحولات الداخلية والإقليمية، ويعيد إنتاج سياسة فرض السلاح كقدرٍ محتوم، متذرعًا بـ"الضغط الإسرائيلي" و"أولوية المقاومة"، في وقت يدفع فيه اللبنانيون، حتى اليوم، أثمان هذا الخيار الأحادي.
في هذا السياق، أشار الجنرال يعرب صخر في حديث لـموقع "LebTalks" إلى أن حزب الله، منذ الثمانينيات حتى الحرب الأخيرة، عمل على تكديس كميات هائلة من السلاح والمسيرات والصواريخ، وهو ما أعلنه سابقًا الأمين العام للحزب حسن نصرالله، حين تحدث عن امتلاك الحزب لـ 100 ألف مقاتل و150 ألف صاروخ، معظمها من الطراز القصير والمتوسط، لا يتعدى مداها 25 كلم، مثل صواريخ "غراد" و"كاتيوشا".
وأوضح صخر أن الأيام الثلاثة الأولى من الحرب الأخيرة شهدت ما يزيد عن 1600 غارة إسرائيلية، نجحت في تدمير عدد كبير من المخازن والمخابئ والمستودعات، ما يجعل من الصعب معرفة ما تبقى من الصواريخ البعيدة المدى أو الاستراتيجية، مؤكدًا أن الصواريخ التكتيكية لا تُحدث تغييرًا استراتيجيًا، بل تُستخدم في لحظات معينة.
وأكد أن السلاح الثقيل لدى الحزب تعرّض لخسائر كبيرة، مشيرًا إلى أن إطلاق الصواريخ الثقيلة يتطلب منصات لوجستية معقّدة، ما يتيح للطيران الإسرائيلي استهدافها قبل استخدامها، وهو ما أدى إلى القضاء على نحو 80% من هذا النوع من السلاح، حسب تقديراته.
وعن إمكانية استخدام الحزب لما تبقى من سلاح ثقيل، قال صخر إن إسرائيل لم تعد قلقة من هذا الأمر، بعد أن نجحت في تفريغ جنوب الليطاني من أي مظاهر مسلحة تقريبًا، حيث تنتشر قوات الجيش اللبناني واليونيفيل على بعد أمتار قليلة من الحدود، ما يعزز الاستقرار الظاهري هناك.
وشدّد صخر على أن لبنان يشهد تحوّلًا تدريجيًا في المقاربة الجيوسياسية والرسمية، وهو ما ينعكس في قرارات مجلس الوزراء الأخيرة، ومنها قرار حصر السلاح بيد الدولة، ما يُثبت أن الحزب بات في حالة تمرد على الشرعية، وأن المرحلة المقبلة تتطلب التعامل مع أي تحرك خارج سلطة الدولة.
كما وحذّر صخر من العودة إلى سيناريوهات مشابهة لـ7 أيار، معتبرًا أن الظروف تغيّرت كليًا، وأن الحزب بات عاجزًا عن فرض حرب أهلية جديدة، خصوصًا في ظل وجود جيش لبناني مستعد لحماية الشرعية.
أما عن منطقة البقاع، فأشار صخر إلى أنها كانت تُعتبر في المفهوم العسكري "المنطقة اللوجستية الخلفية" للحزب، لكنها باتت اليوم تحت رقابة جوية إسرائيلية دقيقة، حيث يتم استهداف أي تحرك قد يشكل خطرًا على أمن إسرائيل.
كما لفت إلى أن الخط اللوجستي مع سوريا تقطّع بالكامل، بسبب التغيرات داخل النظام السوري نفسه، الذي لم يعد على انسجام تام مع الحزب، ما أدى إلى انفصال عملي بين طهران وبيروت.
وختم صخر بالإشارة إلى أن الدولة اللبنانية اليوم أمام فرصة حقيقية للعودة، بعدما تخلّصت من الاحتلالات وسطوة الميليشيات، معتبرًا أن التهويل الإعلامي من قِبل قيادات حزب الله لا يُقنع إلا جمهورهم الضيق، ويهدف فقط إلى تغطية العجز البنيوي داخل الحزب، الذي لم يعد يملك هامش المناورة نفسه، ويجد نفسه على شفير الانهيار، ما لم يقبل بالخضوع للشرعية اللبنانية.
