لا يخطئ حدس رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عادة في السياسة، فهو القارئ الذي يرى دائماً للبعيد البعيد، فتشعره حاسته السادسة بما يُخطًط، وبما سينتج من تداعيات، لذا يخطو خطوته واثقاً من نتائجها وهي بدورها لا تخيّبه، “يفعلها” دائماً رئيس “الإشتراكي” بقلب قوي فيقلب المقاييس، وينتقل من جهة الى أخرى بدقائق، من دون أن يعطي التبريرات الشافية، مستعيناً ببعض الكلمات الرنانة، وضرورة التعالي عن المصالح الخاصة أمام ما يحصل. لذا يبدو منذ فترة هادئاً ومُحبطاً جداً من خلافات المتناحرين على التشكيلة الحكومية، فهو يهاجم ويهادن في الوقت عينه، يدعو الى إستقالة رئيس الجمهورية ثم يزوره فجأة، مستعيناً بمقولة “لأن البلد لم يعد يحتمل”.
الى ذلك أراد جنبلاط دخول تجربة لافتة ومفيدة في السياسة، هي الوساطة بين أكبر المتناحرين، أي عون والحريري، على الرغم من صعوبة هذه المهمة، لأن الإثنين لن يتنازلا عن شروطهما، والأشهر الماضية كانت خير شاهد على ذلك، وعلى الرغم من الأوضاع الكارثية التي تسيطر على لبنان، والإنهيارات التي تلاحقه، بقي الطرفان على مواقفهما، غير آبهين بإنهيار البلد، فلم ينجح جنبلاط بدور المخلّص بعد أن إستشعر الأخطار عبر الكلام الذي يتكرّر كل يوم، عن إمكانية حدوث حرب وفوضى عارمة وفلتان أمني، وكلامه لم يأتِ من عدم، بل من لقاءات ومباحثات عقدها مع السفراء، من دون أن يفلح في تقريب وجهات النظر، أو تحقيق تسوية لأنها تحتاج الى ليونة سياسية لم يرها بين المتناحرين على التشكيلة.
لذا توجّه جنبلاط نحو البيت الداخلي، ناصحاً نفسه بالإنفتاح على خصومه ضمن الطائفة، من أجل مصلحة الدروز والجبل أولاً، فاجتمع بالخصمين رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال إرسلان، ورئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، لبحث ترتيبات البيت الدرزي وتحصينه في هذه الظروف، إضافة الى ضبط الوضع في الجبل، بالتزامن مع المخاوف والهواجس من خلل أمني قد يخلق خضة كبرى هناك، وهو نجح بذلك، واعتبر أنّ أهل البيت أفضل بكثير من هؤلاء المعرقلين للحل، في ظل حديث عن تقارب يسعى اليه جنبلاط أيضاً مع دروز سوريا، عبر قنوات مشتركة قد توصله الى ما يبغي اليه.