مرة جديدة، يطلّ مشهد مألوف: هجوم على بكركي، المنارة التي لم تساوم يوماً على سيادة لبنان واستقلاله.
ما قيل بحق البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي في الأيام الماضية، ليس إساءة لشخصه بقدر ما هو استهداف لمقام وطني وروحي شكّل عبر التاريخ خط الدفاع الأول عن لبنان.
فالذي يتطاول على الراعي اليوم، يوجّه سهامه في الحقيقة إلى بكركي، وإلى ما تمثله من ذاكرة وطنية جامعة. بكركي ليست موقعاً دينياً عابراً، بل مؤسسة نذرت نفسها لتكون صوت الحق في مواجهة الظلم، وصوت الاستقلال في وجه التبعية، وصوت لبنان الحرّ في وجه المشاريع الخارجية.
التاريخ يشهد: من البطريرك الحويك إلى البطريرك صفير وصولاً إلى الراعي، بقيت بكركي ثابتة على خط واحد وهو حماية الكيان اللبناني. وكل من حمل رايتها دفع ثمن الموقف، وتعرض لحملات التشويه. لكن ما سقط دائماً هو حملات الإفتراء، وما بقي راسخاً هو صرح بكركي.
الخطير أن ما نشهده اليوم لم يعد مجرد سجال سياسي، بل محاولة للطعن في مقام وطني وروحي لا يحق لأحد المساس به. التطاول على بكركي ليس انتقاداً عابراً، بل مسٌّ بصورة لبنان نفسه، وبذاكرة استقلاله، وبضمير شعبه الذي يرفض تحويل الوطن إلى ساحة صراعات.
بكركي قالتها مراراً: لا مساومة على سيادة لبنان. واليوم، تكرّر الرسالة ذاتها عبر مواقف البطريرك الراعي. لذلك فإن كل من يهاجم بكركي، يعلن إفلاسه السياسي والأخلاقي، ويكشف ضيق أفقه أمام صرح وطني باقٍ مهما تعالت أصوات الشتيمة والافتراء.
في النهاية، تبقى بكركي المنارة التي لا تُطفأ. وكما قال البطريرك صفير: "بكركي من عَركي لعَركي لا نورا ولا زَيتا شَحّ..كلن عم يحكو تُركي وَحدا بكركي بتحكي الصَحّ". وكل محاولة للنيل منها، لن تغيّر حقيقة واحدة: أنّ صوتها هو صوت لبنان الحر، وأنّ صرحها سيظل حصناً منيعاً في وجه التبعية والتفريط بالسيادة.