خطة الجيش تحسم المسار: السلاح للدولة رغم الانسحابات

lebanse army - lebanon flag

يعيش لبنان على وقع تحولات سياسية دقيقة، كان آخرها الجلسة الاستثنائية التي عقدها مجلس الوزراء في قصر بعبدا، وانتهت بإقرار خطة قيادة الجيش الهادفة إلى حصر السلاح بيد الدولة. هذه الخطوة، التي شكّلت حدثاً مفصلياً في المشهد الداخلي، جاءت رغم انسحاب الوزراء الشيعة الخمسة من الجلسة، في خطوة وُصفت بأنها احتجاجية أكثر منها استقالة رسمية.

الوزراء المنسحبون برروا خطوتهم بأن الخطة تحتاج إلى توافق وطني واستراتيجية دفاعية شاملة، لا أن تُفرض بقرار حكومي أحادي، فيما شدد آخرون على أن انسحابهم لا يستهدف المؤسسة العسكرية بل اعتراض على غياب الغطاء السياسي. آخر الخارجين من الجلسة كان وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكي، الذي أعلن وضع استقالته بتصرّف الرئيسين نواف سلام وجوزاف عون، مؤكداً أن خطوته ليست رفضاً للخطة بقدر ما هي تحفّظ على آلية اتخاذ القرار.

ورغم هذا التباين، بدا أن الحكومة عازمة على المضي في مسارها. رئيس الحكومة نواف سلام أكد أن "القرار لا يحتمل التأويل"، معلناً أن مجلس الوزراء رحّب بالخطة وسيواكبها بتقارير شهرية من الجيش حول التنفيذ في مختلف المناطق اللبنانية. موقفه ترافق مع أجواء دعم خارجي واسع، إذ رحبت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بالخطة، كما أيدها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، مشيداً بالدور الإصلاحي للمؤسسة العسكرية.

أما على الصعيد المحلي، فقد أثارت الانسحابات جدلاً حول ميثاقية الجلسة، إلا أن النقاشات استكملت بهدوء وجدية، وتم إقرار البنود الأخرى المدرجة على جدول الأعمال. وزير الإعلام بول مرقص أوضح في ختام الجلسة أن الحكومة ركزت على دعم الجيش وإدانة الخروقات الإسرائيلية، مشيراً إلى أن تفاصيل الخطة ستظل محاطة بالسرية نظراً لطبيعتها الأمنية.

المشهد لم يخلُ من مواقف معارضة؛ فقد اعتبر المفتي الشيعي أحمد قبلان أن الحكومة "تتهور" في تمرير خطة بهذا الحجم من دون توافق، فيما تواصل قوى الممانعة التحذير من أن الخطوة تصب في خدمة أجندات خارجية. ومع ذلك، يظهر أن الحكومة اختارت مقاربة مرنة، تراعي الواقع الميداني وتسعى إلى تنفيذ الخطة تدريجياً في الجنوب والبقاع وبيروت، في إشارة إلى أن سلطة الدولة يجب أن تشمل جميع المناطق دون استثناء.

بهذا المعنى، يدخل لبنان مرحلة جديدة من الصراع حول هوية الدولة وسلاحها. التحدي الأكبر سيبقى في قدرة الجيش على ترجمة الخطة على الأرض من دون الانزلاق إلى مواجهات داخلية، خصوصاً في مناطق النفوذ التقليدي للطرف الشيعي. ومع ذلك، فإن حجم الدعم العربي والدولي، إلى جانب الغطاء الرسمي الذي منحه مجلس الوزراء، يعطي الجيش موقعاً مركزياً في إدارة هذه المرحلة الحساسة.

الخلاصة أن البلاد تقف أمام اختبار جدي: إما تثبيت مسار بناء الدولة وسيادتها، أو العودة إلى دوامة التجاذبات والعرقلات. وبين هذين الخيارين، يبدو أن المؤسسة العسكرية تحوز اليوم زخماً غير مسبوق، قد يشكل رافعة لفرض سلطة الدولة على كامل أراضيها، ولو وسط رياح سياسية معاكسة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: