عندما رمت الولايات المتحدة الأميركية قنبلتي هيروشيما وناكازاكي النوويتين، أعلن الإمبراطور هيروهيتو استسلام اليابان وخروجها من الحرب العالمية الثانية، وكانت حجته في ذلك إنقاذ اليابان واليابانيين من الإبادة.
ومنذ ذلك الحين، ما لبثت اليابان أن أصبحت من بين الدول الصناعية السبع، تجلس مع الكبار على طاولة الدول الصناعية الكبرى حتى يومنا هذا.
في قطاع غزة، ارتكبت حركة حماس خطأً استراتيجيًا كبيرًا عندما رفضت تسوية وقف إطلاق النار الأميركية وحل مأساة إبادة شعب من خلال تجويعه، ولسان حال حماس أن وقف النار وإنهاء مجاعة الشعب الفلسطيني في غزة أمرٌ يتدبره الله عز وجل والأمم المتحدة، وليس ذلك من مسؤولية الحركة.
وها هي الحركة، ومن خلال قيادييها، تتعرض في قلب “دوحة العرب” — دوحة المفاوضات، دوحة الحوار، دوحة واحة السلام والتفاعل بين الناس — لهجوم إسرائيلي كبير استهدفهم. فماذا كانت النتيجة؟
• تجميد دولة قطر لوساطتها…
• انتفاء أي أمل بأي وقف لإطلاق النار…
• انتفاء أي أمل بإطعام الشعب الفلسطيني المنكوب في غزة…
وبالتالي استفحال المأساة والإبادة الجماعية للشعب الذي احتضن حماس ووثق بها وبقيادتها. فماذا كانت النتيجة؟
إن السياسة اللاواقعية التي انتهجتها قيادات حماس منذ اغتيال رئيسها إسماعيل هنية في مفاوضاتها مع الإسرائيليين، أسست لما وصلت إليه الحركة اليوم، ومعها الشعب الغزّاوي… والأسرى من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
حماس قررت القتال حتى آخر غزّاوي في غزة، وحتى تهجير أو موت آخر غزّاوي. وها إن “الموس وصل للذقن” كما يقال بالعامية.
من يستطيع إقناعنا أنه لم يكن بإمكان إسرائيل، لو أرادت، إنهاء حركة حماس في أسبوع؟ لا بل من يستطيع إقناعنا أن الإسرائيلي كان يريد فعلًا إنهاء حماس؟
لكن الإسرائيلي لم يكن، للحظة، يهمه إنهاء الحركة والقضاء عليها عسكريًا وتحرير الأسرى؛ لأن ما كان، ولا يزال، يهمه هو تهجير سكان غزة من خلال ارتكاب المجازر بحق الشعب الأعزل.
وللأسف، قامت حماس بإذكاء هذا التوحش الإسرائيلي عندما لم تقطع أمامه الحجة والمبرر لارتكاب ما ترتكبه اليوم من فظاعات بحق الغزّاويين، بسبب قصر نظر قادتها وتبعيتهم لسياسات وأجندات غريبة عن الأجندة الفلسطينية الحقيقية وعن مشروع الدولتين. فقد أرادت حماس، قبل كل شيء ومهما كلفها الأمر، الاستمرار بحكم غزة هي وحدها، والتفرد بتقرير مصير القطاع وفق سياسات أثبتت عقمها منذ 7 أكتوبر 2023.
ثمن اللاواقعية السياسية والتهور والتخبط بلغ حد استهداف الرؤوس الحمساوية الكبرى في الدوحة. فما مصير غزة وفلسطين؟
أفلا تتعظ قيادة حماس من تجربة اليابان، وتحرص على ما تبقى من الشعب الغزّاوي والقضية الفلسطينية، ولو كان الثمن القبول بوقف النار وإنهاء مجاعة الشعب وإبادته اليومية على نار جهنمية؟