أكد وزير الصناعة جو عيسى الخوري أن الحاجة إلى العمل المناخي بات أمرًا لا جدال فيه، وأن المسار نحو التنمية المستدامة يتطلّب التزامًا قويًا بالتمويل والتخطيط طويل الأمد.
وتحدث خلال رعايته فعاليات "منتدى تمويل الصناعة الخضراء" من تنظيم منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية – "اليونيدو" من خلال مشروعها "2Circular"، بالتعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية "EBRD" وبتمويل من الاتحاد الأوروبي "EU".
وحضر ممثل يونيدو في لبنان إيمانويل كالينزي، رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان ساندرا دو والي، رئيس مكتب البنك الاوروبي لاعادة الاعمار والتنمية في لبنان أليساندرو فيتاديني، رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين سليم الزعني، وحشد من الصناعيّين، والمعنيين.
وأشار عيسى الخوري إلى أن القطاع الصناعي على مستوى العالم يواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة ارتفاع كلفة الطاقة، والاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، والتداعيات الملموسة للتغيّر المناخي، ما يفرض التحول إلى نماذج إنتاج أكثر خضرة ومرونة، ومعتمدة على الاقتصاد الدائري.
وعن الوضع اللبناني، شدّد على أن هذا التحوّل ليس واجبًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة اقتصادية، حيث كل طن من النفايات غير المُعالجَة وكل وحدة طاقة تُستهلك بشكل غير كفوء هي كلفة مباشرة على اقتصاده، وفرصة ضائعة على شعبه، وعبء إضافي على بيئته.
أضاف: "إن تبنّي مبادئ الاقتصاد الدائري، من إعادة الاستخدام وإعادة التدوير وتقليص الهدر إلى الاستثمار في كفاءة الموارد، كفيل بأن يقوّي القاعدة الصناعية ويوفّر فرص عمل ويُسهم في العمل المناخي في آن واحد. لهذا السبب أكرّر دائمًا يجب الانتقال من مفهوم معالجة النفايات إلى مفهوم تصنيع النفايات، فهذا النموذج سيمهّد الطريق لخلق مزيد من فرص العمل، وإعادة تدوير المزيد من المنتجات بما يساهم في تقليص وارداتنا، وجلب عملات صعبة إضافية من خلال تصدير منتجات ذي القيمة المضافة العالية، والأهم من ذلك تقليص الحاجة إلى المطامر أو مواقع تجميع النفايات إلى الحد الأدنى، وبالتالي تحسين بيئتنا بشكل جذري".
وإذ لفت الى أن الإرادة السياسية وحدها غير كافية، أو بالأحرى، لم تكن كافية يومًا كما أنّ الموارد العامّة وحدها لا تكفي، وللأسف هي غير متاحة أصلًا في هذه الأيام، اوضح عيسى الخوري ان الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر يتطلّب استثمارات ضخمة وعلى الرغم من تنامي اهتمام المستثمرين عالميًا وازدهار أدوات التمويل المناخي، تبقى هذه الموارد غالبًا بعيدة المنال عن المؤسسات اللبنانية، خصوصًا المؤسسات الصغيرة والمتوسّطة التي تُشكّل العمود الفقري للإقتصاد اللبناني.
ولفت الى ان سدّ هذه الفجوة التمويلية يُعدّ واحدًا من أكبر التحدّيات، لكنه أيضًا واحد من أعظم الفرص، فالحلول المالية المبتكرة وآليات تقاسم المخاطر والشراكات بين القطاعين العام والخاص، كلّها أدوات أساسية لتحفيز رأس المال الخاص وتوجيهه نحو مشاريع تدرّ عوائد بيئية واقتصادية معًا.
كما أشار إلى أن هناك بالفعل دليلا عمليا على جدوى هذا التوجّه، من خلال مشروع UNIDO 2Circular المموَّل من الاتحاد الأوروبي، حيث أظهرت المبادرات التجريبية في عدد من الصناعات اللبنانية تحقيق وفورات في التكاليف، وخفض كميات النفايات، وفتح مصادر دخل جديدة، من خلال اعتماد تدابير كفاءة الموارد والإنتاج الأنظف.
من هنا، أكد عيسى الخوري أن هذه النماذج تحمل رسالة واضحة مفادها أن التحوّل الأخضر ليس ترفًا، بل خيار اقتصادي ذكي، سيُشكّل مسألة بقاء في زمن تزداد فيه مطالب الأسواق الدولية والمستهلكين والهيئات الرقابية بالمنتجات المستدامة وسلاسل الإمداد المسؤولة. وبالتالي، رأى أنه سيكون شرطا لبقاء المنتجات اللبنانية في الأسواق الدولية، مثل المنطقة الاقتصادية الأوروبية.
واعتبر وزير الصناعة أن المنتدى ليس مجرد منصة لتبادل المعرفة، بل مساحة لبناء جسور التعاون بين الصناعة والتمويل والأكاديميا والحكومة، لذا يجب العمل على تحديد ومعالجة الثغرات السياسية والتنظيمية والمؤسساتية التي تعيق أو تضع العراقيل أمام الاستثمارات في مشاريع الاقتصاد الدائري، فضلا عن توفير الظروف المواتية لروّاد الأعمال الخضر وللممولين المستعدين لخوض غمار الابتكار.
وأكد التزام وزارة الصناعة بدمج مبادئ الاقتصاد الأخضر والدائري في الاستراتيجية الصناعية الوطنية، داعيًا إلى تنسيق الجهود مع الوزارات الأخرى، القطاع المالي، الجهات المانحة الدولية والقطاع الخاص، وعلى رأسه جمعية الصناعيين اللبنانيين.
وأطلق عيسى الخوري في كلمته نداء للعمل، قائلا: "إنّ الانتقال إلى اقتصاد صناعي دائري وأخضر ليس حلمًا بعيدًا بل هو واجب، لذا علينا معا: رفع الوعي بين الصناعيين حول المنافع الاقتصادية الملموسة للممارسات المستدامة، تحفيز التمويل من خلال أدوات مبتكرة، ميسورة ومتاحة، تكييف السياسات بحيث تشجّع القوانين الاستثمار الأخضر بدل أن تعيقه، توسيع نطاق المبادرات التجريبية الناجحة لتصبح برامج وطنية تغطي كل منطقة وكل قطاع، بالاضافة الى ضمان جودة المنتجات اللبنانية لحماية أسواق التصدير."
تابع: "إذا نجحنا، يمكن للبنان تحويل نقاط ضعفه إلى فرص، من خلال تحويل النفايات إلى مواد أولية، وعدم الكفاءة إلى قدرة تنافسية، والمسؤولية البيئية إلى محفّز للنمو والقدرة على الصمود".
عيسى الخوري الذي شكر الجهات المنظمة والداعمة للمنتدى، اليونيدو، الاتحاد الأوروبي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ختم بالتأكيد أن الرحلة نحو مستقبل صناعي أخضر ستكون مليئة بالتحديات لكنها في الوقت نفسه مليئة بالوعود للإقتصاد وللأجيال المقبلة، لذا علينا الخروج من المنتدى بالالتزامات والشراكات وليس بالأفكار فقط، وبعزم مشترك على تسريع التمويل الأخضر من أجل "جعل لبنان أخضر مرة أخرى Make Lebanon Green Again" .
