"التاريخ يعيد نفسه".. هل يكرر "الحزب" تجربة "الجمعة العظيمة"؟

hezballah

يعيش "حزب الله" اليوم لحظة مفصلية في تاريخه السياسي والعسكري. فبعد عقود من بناء قوته المسلحة وفرض حضوره كلاعب إقليمي، تكشف التطورات الداخلية والخارجية حجم الضغوط التي يواجهها، حيث يُنظر إليه كمنظمة أنهكتها الحروب وفقدت جزءاً من قدرتها على الاستقطاب والشرعية، ليجد نفسه أمام خيار تاريخي: الانتقال من عقلية "المقاومة المسلحة" إلى مسار سياسي صرف، شبيه بما عاشه "شين فين" في إيرلندا الشمالية.

في أواخر القرن الماضي، شكّل "الجيش الجمهوري الإيرلندي" الجناح العسكري لـ"شين فين"، وخاض صراعاً دموياً مع بريطانيا لأكثر من ثلاثة عقود. لكن المسار انتهى بتوقيع "اتفاق الجمعة العظيمة" عام 1998، الذي أرسى حلاً سياسياً شاملاً، وأجبر الحركة على إعادة تعريف نفسها كقوة سياسية شرعية داخل المؤسسات، تاركة خلفها تاريخاً مثقلاً بالسلاح والعنف.

اليوم، يبدو "حزب الله" أمام معادلة مشابهة: المجتمع اللبناني المنهك، والأزمة الاقتصادية الخانقة، والضغوط الدولية والإقليمية، كلها تدفع باتجاه إعادة النظر في الدور العسكري للحزب.

وكما اضطر "شين فين" إلى القبول بالمشاركة في المؤسسات الديمقراطية والتخلي التدريجي عن السلاح، قد يجد "حزب الله" نفسه مضطراً للسير على خطى مشابهة، إن أراد البقاء فاعلاً داخل الساحة اللبنانية.

الفارق أن "شين فين" دخل في عملية تسوية برعاية دولية وأوروبية، وفّرَت له ضمانات وحاضنة سياسية، فيما يفتقد "حزب الله" حتى الساعة إلى بيئة دولية مشابهة. كما أن ارتباط الحزب بمحاور إقليمية يجعل من تحوّله الداخلي أكثر تعقيداً. إلا أنّ وجه الشبه يبقى في جوهر الأزمة: لا يمكن لأي حركة مسلحة أن تستمر بلا نهاية في الجمع بين البندقية والسياسة، خصوصاً حين تنهكها التحديات الداخلية وتضيق الخيارات الخارجية.

إن كان "اتفاق الجمعة العظيمة" قد فتح الباب أمام ولادة إيرلندا شمالية جديدة، فإن اللحظة الحالية قد تشكّل بالنسبة إلى "حزب الله" محطة اختبار تاريخية: إمّا أن يتحول تدريجياً إلى حزب سياسي كامل الهوية، أو أن يظل أسير ماضٍ عسكري لم يعد صالحاً لمعادلات الحاضر.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: