بدعوة من منطقة البقاع الشمالي في القوات اللبنانية، أُقيم قدّاس إلهي في مزار سيّدة بشوات – بشوات، لمناسبة الذكرى السنوية لشهداء المقاومة اللبنانية، برعاية وحضور راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر المارونية، المطران حنّا رحمه، تحت عنوان "نشهد لشهدائنا".

وفي هذه المناسبة، أطلّ رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، على المشاركين في القداس، مُعبّراً عن رغبته الصادقة في أن يكون حاضرًا بين أهالي المنطقة، مؤكدًا أنّ الأيام المقبلة "ستجمعنا حتمًا". وألقى كلمةً وجدانيّة استهلّها بإلقاء تحية محبة وتقدير إلى أبناء دير الأحمر والبلدات المجاورة، من شباب وصبايا، رجال ونساء، وفعاليات دينية وسياسية واجتماعية، قائلاً: "هذه المنطقة تستحق الخير كله، لأنها دفعت أغلى ما تملك، وبقيت واقفة بشموخ".

وإذ استحضر ذكرى الشهداء، شدّد جعجع على أنّ "هؤلاء الأبطال لم يغيبوا يومًا عن ضميرنا، فهم حاضرون في وجداننا، وفي كل خطوة نخطوها نحو الوطن الذي حلموا به واستشهدوا من أجله". وأضاف: "الذكرى لا تكون بالاحتفال فقط، بل بالاستمرار على طريقهم، وتحقيق الأهداف التي لأجلها بذلوا الدم والروح".
وأكد أنّ "المسيرة النضالية التي بدأت قبل خمسين عامًا لم تعرف يومًا التراجع"، مشيرًا إلى أنّها مرّت بمحطات قاسية من اعتقال وتهديد وموت، لكنها صمدت على درب الحقيقة والحرية. واعتبر أن الذكرى هذا العام تحمل طابعًا خاصًا، إذ تتزامن مع بداية تحقق بعض أهداف النضال الطويل.
وشدّد على أنّ "اللقاء الحقيقي مع الشهداء لا يكون إلا حين نُثبت أن دماءهم لم تُهدَر"، مخاطبًا كل من شكّك في الماضي قائلاً: "أولئك الذين قالوا إن هؤلاء الشباب ماتوا عبثًا، عليهم اليوم أن يعترفوا بأن دماءهم صنعت فرقًا، وحققت إنجازات لا تُنكر".

وأضاء جعجع على أن الوجود والصمود في هذه المنطقة لم يكونا يومًا فعل صدفة، بل فعل إيمان ونضال واستشهاد دائم، وأن تمسّك الأهالي بأرضهم المقدسة وبالقضية هو ما جعل هذه الأرض صامدة، ودماء الشهداء حامية ليس للبقاع الشمالي فحسب، بل للبنان كله.
وتابع: "البقاء في هذه الأرض هو فعل تحدٍ، وفعل إيمان، وفعل حبّ للبنان. ومع وجود أهلٍ بهذا الالتزام وهذه الصلابة، نستمد الأمل لمستقبل أفضل"، داعيًا إلى "عدم التفريط بأي شبر من تراب الوطن، والاستفادة من دروس الماضي".
وأكد جعجع أنّ "تحقيق بعض الأهداف لا يعني التوقف، بل يزيدنا عزيمة للاستمرار"، مشددًا على أن "من واجبنا أن نرسم ملامح لبنان جديد لأبنائنا، يليق بتضحيات الشهداء، ويكون مختلفًا عن لبنان الألم والمعاناة الذي عرفناه".
وفي سياق كلامه، تناول جعجع التحديات المقبلة، لا سيما على صعيد الاستحقاق النيابي، مشيرًا إلى أنّ "التمثيل النيابي حق مقدس"، وقال: "لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يُستبدل نائب دير الأحمر المسيحي بنائب من خارجها، فالهويّة ليست رقمًا بل جذور وكيان".
وخاطب الحاضرين قائلاً: "أنتم كما دائمًا على الموعد. ولأنكم أهل العزيمة، فإننا نثق أنكم ستتقدمون مجددًا، وستحققون الأفضل".
أضاف: "مسؤوليتنا اليوم وطنية شاملة، ودير الأحمر ستبقى، كما كانت دائمًا، حضنًا لجميع اللبنانيين عند الشدائد. ولهذا يجب أن نكون على قدر الثقة والأمانة".
وفي ختام كلمته، توجّه جعجع بتحية خاصة إلى أهالي الشهداء، قائلاً: "إلى أمّ الشهيد وأب الشهيد... في نهاية المطاف، ما صحّ إلا الصحيح. قد لا يخفف شيء من ألم الفقد، لكن التضحية في سبيل قضية محقة، أسمى بكثير من العيش بلا كرامة. وها نحن اليوم نرى ثمار تلك الدماء، قد أينعت حرية وكرامة وأمل."
تقدّم الحضور عضو تكتّل "الجمهورية القوية" النائب أنطوان حبشي، النائب السابق ربيعة كيروز، المونسينيور بول كيروز، كهنة الأبرشية، رهبان وراهبات، أهالي الشهداء، منسّق المنطقة إلياس بو رفول، رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر هنري الفخري، نائب رئيس اتحاد بلديات قرى دير الأحمر ورئيس بلدية بشوات حميد كيروز، رؤساء بلديات ومخاتير، ضباط متقاعدون، مسؤولو مراكز القوات اللبنانية في المنطقة، إلى جانب مدراء مدارس، أساتذة، جمعيات وفعاليات اجتماعية وتربوية، بالإضافة إلى جوقة رهبان بيت مارون.

استُهلّ القداس بمسيرة كشفية وتقديم إكليل غار عن أرواح الشهداء. بعدها، ألقى المطران رحمه عظة أثنى فيها على تضحيات أبناء دير الأحمر، مؤكدًا أنّ المقاومة لا تزال مستمرة بوجه كل مَن يُحاول المسّ بسيادة الوطن وكرامة أبنائه. وختم عظته بدعوة أبناء المنطقة إلى البقاء أوفياء للشهداء عبر التمسّك بالإيمان والرجاء والعمل من أجل لبنان السيد، الحر والمستقل.
وتضمّن برنامج الاحتفال كلمات وأناشيد وطنية، أعقبها إضاءة "شعلة الشهداء" بمشاركة النائب حبشي، في مشهد عبّر عن الوفاء لتضحيات الشهداء وتجديد العهد بالسير على خطاهم.