هل يُصبح الإنسان متفرّجاً في حروب المستقبل؟

robot hareb

مع تسارع التطور التكنولوجي، يزداد الحديث عن مستقبل الحروب وكيف يمكن أن تتحول من مواجهة بين البشر إلى صراع بين الخوارزميات. لم يعد استخدام الطائرات من دون طيار أو أنظمة الذكاء الاصطناعي في ساحات القتال مجرد سيناريو خيالي، بل أصبح واقعًا تعترف به مراكز البحوث العسكرية حول العالم، حيث يجري تطوير "الأسلحة المستقلة" القادرة على اتخاذ قرارات هجومية من دون تدخل بشري مباشر.

هذا التحول يطرح أسئلة خطيرة: هل نحن أمام مرحلة جديدة من سباق التسلح، لا بين الدول فقط، بل بين خوارزميات مبرمجة على القتل؟ وهل يمكن أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى "قاتل بلا مسؤولية"، يصعب محاسبته أو التحكم فيه؟

الدرونز الذكية: البداية التي لا عودة منها

تشير تقارير عسكرية غربية إلى أن أكثر من 60 دولة حول العالم طورت أو اشترت طائرات مسيرة (درونز) مزودة بخوارزميات ذكية قادرة على تحديد الأهداف.

يوضح اللواء محمد الغباري، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق، خطورة هذا الاتجاه: "الطائرات المسيرة لم تعد رفاهية عسكرية، بل أصبحت سلاحًا أساسيًا في أي نزاع مسلح. هي أداة قادرة على تنفيذ عمليات نوعية من دون التضحية بجندي واحد، ما يمنح الدول ميزة استراتيجية، لكن الخطورة الحقيقية تكمن في سهولة نقل هذه التكنولوجيا أو تقليدها من قبل جماعات مسلحة أو كيانات غير نظامية".

أضاف الغباري: "الاعتماد الزائد على هذه الأنظمة قد يؤدي إلى تراجع الخبرة القتالية لدى الجيوش، فالضابط أو الجندي الذي لم يخض معركة حقيقية قد يفتقد القدرة على اتخاذ القرار في مواقف غير متوقعة. التكنولوجيا توفر الحماية وتقلل الخسائر البشرية، لكنها قد تضعف البنية التقليدية للجيوش وتفتح الباب أمام سباق تسلح جديد يعتمد على من يملك خوارزميات أقوى، لا من يملك جيوشًا أكبر".

الذكاء الاصطناعي القاتل: السلاح المثير للجدل

أكثر ما يثير المخاوف اليوم هو "الذكاء الاصطناعي القاتل"، أو ما يُعرف بالأسلحة الفتاكة المستقلة، التي يمكنها تحديد الهدف وضربه من دون أي تدخل بشري.

محمد مجاهد الزيات، المستشار الأكاديمي للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يشير إلى أن الخطر الحقيقي ليس في التقنية نفسها، بل في غياب الرقابة: "الأمم المتحدة تناقش الملف منذ سنوات، لكن حتى الآن لا توجد معاهدة ملزمة. من المسؤول إذا أخطأ الروبوت وقتل مدنيين؟ هل نحاسب المبرمج، أم الدولة المصنعة، أم القائد العسكري الذي أعطى الإذن؟ هذه ثغرة أخلاقية وقانونية ضخمة".

نحو معاهدة دولية؟

المجتمع الدولي يقف عند مفترق طرق: وضع إطار قانوني يحدد استخدام هذه الأسلحة، أو الانزلاق نحو سباق تسلح جديد.

ويقول الزيات: "القوى الكبرى لن تقبل بسهولة بتقييد هذه التكنولوجيا لأنها تراها ورقة استراتيجية، لكن أي خطأ برمجي أو خلل تقني قد يؤدي إلى حرب شاملة، لذا وضع معاهدة دولية جديدة أشبه بمعاهدات جنيف أصبح أمرًا عاجلًا".

صراع بين الخوارزميات

المستقبل قد يشهد نوعًا مختلفًا من الصراع، ليس بين جيوش، بل بين برامج. المهندس محمد مصطفى من الهيئة العربية للتصنيع يوضح: "التفوق العسكري في المستقبل لن يعتمد فقط على حجم الدبابات أو الطائرات، بل على سرعة ودقة الخوارزميات. قد نرى صراعًا حيث تحاول خوارزمية هجومية خداع خوارزمية دفاعية، وكأن الحرب تتحول إلى منافسة بين برامج كمبيوتر. هذا يعني أن الاستثمار في البرمجيات سيكون بنفس أهمية الاستثمار في الأسلحة التقليدية".

المخاطر الأخلاقية والإنسانية

رغم الإنجازات التكنولوجية، يظل الجانب الإنساني نقطة خلاف جوهرية. الدكتور أحمد حسين، أستاذ الأمن السيبراني بجامعة القاهرة، يحذر: "الآلة لا تمتلك الضمير ولا الرحمة، قد تنفذ عملية عسكرية بكفاءة، لكنها لا تراعي وجود أطفال أو مدنيين قرب الهدف. الأخطر أن هذه الأنظمة معرضة للاختراق الإلكتروني، وقد تتحول في لحظة إلى سلاح في يد العدو نفسه".

الحروب القادمة قد لا تشبه أي حرب عرفها البشر من قبل، من "الدرونز الذكية" إلى "الذكاء الاصطناعي القاتل". يبدو أننا أمام عصر جديد تتحكم فيه الخوارزميات بمصير الشعوب. وبينما تسابق الدول لتطوير هذه القدرات، يبقى السؤال: هل ستتمكن البشرية من وضع حدود وضوابط أخلاقية، أم أننا نفتح الباب أمام أخطر سباق تسلح في التاريخ، حيث لا مقاتلين على الأرض، بل برامج تقتل بضغط زر واحد؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: