كتب جورج أبو صعب
تخفي غبار معركة رفع الحصانات النيابية والوزارية والإدارية لبّ المشكلة التي يعاني منها لبنان والسبب الأساس لانهياره ولحصول 4 آب ألا وهو الإحتلال الإيراني عبر ذراعه المباشرة حزب الله .
ليس من المبالغة القول إن حقيقة معركة رفع الحصانات الحقيقية ومن خلال المسؤولين المطلوبين للعدالة والتحقيق العدلي هي لمنع الوصول الى رفع الحصانات عن إيران في لبنان، إذ تكفي متابعة مواقف حزب الله المتشنجة والرافضة لقرارات وتصرفات قاضيي التحقيق في انفجار المرفأ فادي صوان وطارق البيطار واتهامه التحقيق بالتسييس وشنّ الهجوم الساحق على المحقق العدلي للتأكد من أن ما وراء الأكمة ما وراءها من توجس وخوف وقلق يؤرق الحزب ويقلقه في حال التوصل الى الحقيقة.
ولعل عربدة ولفّ ودوران السلطة وأحزابها في موضوع رفع الحصانات للمحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ما هو إلا حلقة في سلسلة التضليل والهروب الى الأمام لكسب الوقت وتمييع التحقيقات والمحاكمات في ملف المرفأ، إذ لو بقي الملف حصرياً بيد التحقيق العدلي فإن كل الخشية لدى تلك الطبقة والحزب على رأسها من أن لا يتأخر القاضي البيطار في التوصل الى تلك الحقيقة .
من هنا فإن الكلام عن رفع الحصانات وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية وإحالة المتهمين أمام المجلس الأعلى هو كلام حق قد يجد ما يغطيه في النصوص سواء الدستورية أو القانونية إلا أنه يُراد به باطلاً للإعتبار الذي ذكرناه أعلاه : تمييع التحقيقات وكسب الوقت والهروب الى الأمام .
لو أرادت هذه السلطة وأحزابها الحقيقة وعلى رأسها حزب الله حقاً لما ترددت لحظة واحدة في التعاون مع طلبات القاضي البيطار ولما شنّت عليه الحملات التشكيكية والتضليلية .
أما وقد حصل ما حصل فإن معركة رفع الحصانات المصطنعة تخفي 3 معطيات متوازية ومتلازمة في الشكل والمضمون :
المعطى الأولى : إن ملف انفجار المرفأ يخفي فضيحة من العيار الثقيل الذي لا يمكن أن يتحمله الوضع اللبناني والإصطفافات السياسية الداخلية الحالية، ويبدو أنها تتجاوز الحدود اللبنانية باتجاه سوريا ونظامها لا بل باتجاه تركيبة الممانعة والمقاومة في المنطقة بقيادة إيران.
المعطى الثاني : إن التوصل الى نتائج قد يلحق الأضرار المباشرة بحزب الله ومحور الممانعة والمقاومة عشية الإنتخابات النيابية، وبالتالي من الأفضل تأجيل التحقيقات أو على الأقل التسويف والمماطلة والتأجيل والتمييع الى ما بعد الإنتخابات .
المعطى الثالث : أن يكون ثمة محاولة سياسية تكتيكية للربط بين التحقيقات في ملف الانفجار ونتائجه المحتملة والمعروفة من الأطراف الضالعة في المسؤولية وتداعياته الخطيرة المحتملة وبين إحياء مفاوضات فيينا النووية بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب وإيران بحيث ثمة من يحاول المراهنة على نجاح المفاوضات لمحو آثار الانفجار الخطيرة بتعويضات مالية وإنطلاق صفارة إعادة إعمار المرفأ بما يخفف الى الحد الأدنى أية تداعيات سلبية داخلية عند توصل التحقيق لنتائج صادمة، وتعطي إيران نوعاً من البدائل في حال اضطرت تحت وطأة نتائج فيينا ونتائج التحقيق في موضوع المرفأ الى التخلي عن الورقة اللبنانية جزئياً أو كليا ( ما يعني مثلاً تسليم الحزب سلاحه للدولة وإعادة هيكلة هذه الدولة بمبادرة أممية وترتيبات المرحلة الإنقاذية ).
إيران أمام مفترق مصيري لدورها ودور وكلائها في المنطقة من على طاولة فيينا التفاوضية وبالتالي لا يمكن لمحورها فضح أدوارها حالياً وتبيان مكامن ضعفها وإخفاقاتها، ما يعني استشراس ميليشياتها في العراق واليمن وسوريا ولبنان لتأجيل أو إخفاء أو تمييع أي ملف إقليمي أو داخلي في موازاة ارتفاع وتيرة التهديد والوعيد ولو الميداني ( كما في مسألة الإعتداءات على السفن والناقلات ومنها الناقلة الإسرائيلية في خليج عمان مؤخراً والتي لم تنتهِ تداعياتها السياسية والعسكرية فصولا أو رمي الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل والتي رفعت الملف اللبناني الى مرتبة متقدمة على أجندة إسرائيل والولايات المتحدة تجلت في ما رشح من زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز الى إسرائيل منذ أيام لجهة تركيز المباحثات على ملفي إيران ولبنان فقط من بوابة التصعيد الصاروخي لحزب الله او مؤازرة جيش الأسد في درعا …)
لذلك تخوض السلطة في لبنان ورموزها الموالية للمحور من أعلى الهرم الى أسفله معركة ذرّ الرماد في العيون، وقد بات واضحاً لأي مراقب أو محلل أو مطلع أن ما وراء رفع الحصانات عن نواب ووزراء هو رفع حصانات عن الوجود الإيراني نفسه في لبنان عبر حزب الله، وقد جاءت أحداث خلده وشويا كنموذجين على بداية أفول حقبة الإحتلال الإيراني وتراجع الأدوار المسيطرة للحزب على الساحة اللبنانية، وقد تجلى في كلام أمين عام الحزب الأخير مقدار الإنزعاج والقلق من هاتين الظاهرتين .