في قلب صراع الشرق الأوسط المستعر منذ عقود، وبين ألسنة النيران في غزة وجدران السياسة في واشنطن وتل أبيب، يقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مفترق طرق تاريخي.
خطة ترامب المكونة من 21 بندًا لإنهاء الحرب لم تعد مجرد ورقة على الطاولة، بل أصبحت ساحة صراع ديبلوماسي وسياسي، حيث تتقاطع الطموحات الإسرائيلية مع الضغوط الأميركية والتحالفات العربية، بينما تترقب حماس والمجتمع الدولي كل خطوة بحذر شديد.
يثير مراقبون سؤالًا جوهريًا حول الرئيس دونالد ترامب: هل سيكون لقب "ترامب رجل السلام" مؤقتًا، حتى يحصل على جائزة نوبل للسلام، ومن ثم يترك لنتنياهو حرية الحركة لإتمام مهمته؟
من جانبه، يركز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الإنجازات التي حققها على مختلف الجبهات، مؤكدًا أن "الحرب بدأت في غزة وستنتهي فيها"، في إشارة إلى أن غزة تمثل ساحة التجربة النهائية لاستراتيجياته.
مصادر أميركية كشفت عن أن دولة قطر أبلغت واشنطن بقدرتها على إقناع حركة حماس بقبول خطة ترامب والتخلي عن سلاحها.
وفي خطوة ديبلوماسية بارزة، أجرى ترامب اتصالًا مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قبل استقبال نتنياهو، في مسعى لتأمين دعم لخطته.
خطوط حمراء إسرائيلية.. سموتريش والمفاوضات
أوضح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش قبل اللقاء أن لديه خطوطًا حمراء في مفاوضاته مع ترامب، أبرزها الانسحاب الكامل لحركة حماس من غزة، تفكيك بنيتها العسكرية، والحفاظ على حرية العمليات الإسرائيلية في جميع مناطق القطاع.
كما اشترط عدم وجود أي دور للسلطة الفلسطينية، سواء صراحة أو ضمنيًا، وعدم ذكر فكرة الدولة الفلسطينية نهائيًا، معتبرًا وجودها تهديدًا لأمن إسرائيل.
هذه الشروط، وفق صحيفة "إسرائيل هيوم"، تتوافق مع المبادئ الخمسة المحددة من المستوى السياسي لإنهاء العملية العسكرية في غزة: تفكيك حماس عسكريًا وسياسيًا، إعادة جميع الرهائن، وضمان خروج كامل لحركة حماس من القطاع.
عائلات الرهائن طالبت ترامب بالتمسك بالاتفاق، مؤكدين أن أي فشل في إتمام خطة وقف إطلاق النار سيكون مسؤولية مباشرة.
في المقابل، أعربت حماس، على لسان عضو مكتبها السياسي حسام بدران، عن رفضها لمشاركة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في الوساطة، وأكدت عدم تلقيها أي مقترحات رسمية بشأن وقف إطلاق النار.
حماس بين المطرقة والسندان
محرر الشؤون الفلسطينية، سلمان أبو دقة، وصف المشهد بأن حماس ليست أمامها الكثير من الخيارات.
وقال إن الإدارة الأميركية، بتهديد ترامب، قادرة على فرض الاتفاق على الحركة، مستذكرا تجربة نتنياهو مع اتفاق أوسلو عام 1997، حيث أجبرت الإدارة الأميركية نتنياهو على تنفيذ انسحاب من الخليل رغم رفضه.
ويشير أبو دقة إلى أن ترامب يتصرف بطريقة مشابهة، حيث يضع خارطة طريق واضحة، ويجعل من الصعب على نتنياهو رفض خطة وضعتها الإدارة الأميركية نفسها.
أبو دقة أوضح أن قطاع غزة بات مدمّرًا، والورقة الوحيدة التي تمتلكها حماس هي الرهائن، وحتى هؤلاء غير معروف وضعهم الصحي. وهذا يضع الحركة تحت ضغط هائل للقبول بأي اتفاقيات مستقبلية، حتى ولو كانت مؤقتة، على الأقل لإيقاف الحرب وإعادة تواجدها بطريقة ما في المشهد الفلسطيني.
أضاف: "التحدي الحقيقي ليس فقط إخراج حماس من غزة، بل إعادة بناء جسم فلسطيني موازي قادر على ترميم ما دمرته الحرب."
فحماس، منذ انقلابها عام 2007 على السلطة الفلسطينية، فرضت نفسها بالقوة العسكرية، ولكن الآن تواجه ضغوطًا دولية وإقليمية تهدف إلى إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية وإعادة دمج غزة في النسيج السياسي الفلسطيني.
استراتيجية ترامب.. الضغط ثم التنمية
الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات حسين عبد الحسين، أشار إلى أن ترامب يتصرف كغيره من الرؤساء الذين يسعون إلى الوصول إلى خاتمة الأمور عند تعثر المفاوضات.
وذكر مثالًا بحملة كامب ديفيد عام 2000، حيث تجاوز كلينتون التفاصيل للوصول إلى الهدف النهائي. عبد الحسين أكد أن الضغط على نتنياهو قبل اللقاء كان جزءًا من هذه الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن تسمية الخطة باسم "ترامب" تجعل رفضها من قبل نتنياهو أو اليمين المتطرف الإسرائيلي صعبًا، لأن المعترضين سيكون عليهم مواجهة خطة رئيس الولايات المتحدة نفسه.
وأشار عبد الحسين إلى أن بنود الخطة الـ21 تشبه إلى حد كبير الاتفاقيات الإبراهيمية، حيث تركز أولًا على الأمن والتنمية قبل الدخول في التفاصيل السياسية.
أضاف: "أي تراجع في الحديث عن قيام دولة فلسطينية أو السلطة الفلسطينية يعكس إدراك اليمين الإسرائيلي، بما في ذلك نتنياهو، أن ترامب هو الحليف الأقوى الذي يدعم هذه الخطة، وبالتالي فإن اعتراضهم سيكون محدودًا".
هندسة الانتصار.. نتنياهو والاستفادة من الحرب
الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية منصور معدي رأى أن غالبية بنود الخطة تتوافق مع المصالح الإسرائيلية، وتحقق أهداف الحرب التي وضعها نتنياهو، أبرزها نزع سلاح حماس وإخراجها من القطاع، وكذلك تحرير المخطوفين.
معدي أكد أن هذا المشهد يعكس استراتيجية نتنياهو في الوصول إلى الانتصار عبر استدامة الحرب والتحكم في الصفقات الجزئية، مما يمنحه القدرة على تشكيل ما بعد الحرب وفق رؤيته.
وأوضح أن هناك إجماعًا عربيًا وغربيًا على تصنيف حماس منظمة إرهابية، وهو ما يدعم تنفيذ الخطة الأمريكية الإسرائيلية.
وأشار إلى أن حماس خسرت رهانات كثيرة، والضغط التركي والقطري والأمريكي سيجبرها على القبول في النهاية، مضيفًا أن نتنياهو بدأ يرى نهاية الحرب وتحقيق أهدافه الاستراتيجية.
أخطاء نتنياهو والمشهد الإقليمي
الإعلامي المتخصص في الشؤون الفلسطينية وائل محمود، أكد أن المشهد الحالي لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة أخطاء نتنياهو والغطرسة السياسية التي أظهرت ضعف فهمه للضغط الدولي والعربي.
وأوضح أن الموقف الإماراتي كان نقطة فارقة، حيث وضعت خطوطًا حمراء بخصوص الضم، وأدخلت مساعدات إلى غزة، ما غير موازين القوى.
وذكر محمود أن نتنياهو لم يفهم حجم التأثيرات الناتجة عن الاتفاقيات الإبراهيمية، كما أن الهجوم الإسرائيلي على قطر أضر بالتحالفات الإقليمية وسبب أزمة سياسية.
وأشار إلى أن المبادرة الأميركية، بدعم عربي وإقليمي، فرضت على نتنياهو ضرورة التفاوض والتوصل إلى حل لإنهاء الحرب، مؤكدًا أن الضغط العسكري الإسرائيلي كان دائمًا أداة لتحقيق الأهداف السياسية، لكن السياسة الأميركية مع ترامب أضافت بعدًا جديدًا لفرض التسوية.
الأبعاد العسكرية والإنسانية
على الصعيد العسكري، فإن الجيش الإسرائيلي دخل إلى غزة بشكل كامل، واستهدفت العمليات مواقع حماس الاستراتيجية.
ويشير الخبراء إلى أن الضغط العسكري كان الهدف منه إعادة التوازن للقوى الإسرائيلية وتحقيق انتصارات قابلة للعرض على المستوى الدولي. ومع ذلك، فإن التداعيات الإنسانية للحرب على المدنيين الفلسطينيين كانت حادة، ما دفع المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الغربية، لإعادة تقييم موقفها تجاه الصراع وفرض ضغط على إسرائيل.
وفي هذا الإطار، يرى أبو دقة أن الحل العسكري وحده لا يكفي، بل يحتاج الوضع إلى إعادة بناء مؤسسات فلسطينية قادرة على إدارة غزة بعد الحرب.
بينما يؤكد عبد الحسين ومعدي على أن ترامب ونتنياهو يسعيان إلى استخدام هذه المرحلة لإعادة تشكيل المشهد الفلسطيني وفق أهداف استراتيجية إسرائيلية.
من يكتب التاريخ في غزة؟
المشهد الحالي في غزة يعكس تقاطعا معقدًا بين السياسة الأميركية والإسرائيلية، والضغوط العربية والإقليمية، والخطوط الحمراء الإسرائيلية.
ترامب، بحكمته الاستراتيجية، يسعى إلى تسويق نفسه كرجل سلام، لكنه في الوقت نفسه يضع نتنياهو أمام مسؤوليات كبيرة، مستفيدًا من خبرته في المراوغة والتفاوض.
نتنياهو، من جهته، يحاول تحقيق انتصارات ملموسة على الأرض، سواء عسكريًا أو سياسيًا، لكنه مضطر للتكيف مع الضغوط الدولية والإقليمية لضمان تنفيذ الاتفاق.
الخبراء الأربعة، من سلمان أبو دقة إلى وائل محمود، يتفقون على أن غزة ستشهد تحولًا كبيرًا في المرحلة المقبلة، وأن تنفيذ خطة ترامب، سواء بقبول نتنياهو وحماس أو بفرضها من قبل الإدارة الأميركية، سيشكل منعطفًا تاريخيًا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
الحرب لم تعد مجرد مواجهة عسكرية، بل أصبحت لعبة سياسية معقدة تتطلب استراتيجيات دقيقة وإدارة ذكية للتحولات الإقليمية والدولية، ما يجعل من هذه المرحلة مفصلية في رسم مستقبل غزة والمنطقة بأسرها.