قبل أن تهدأ عاصفة الجدل حول الرقم القياسي الذي حدّدته الهيئة الاتهامية في بيروت والبالغ ١٤ مليون دولار أميركي لقاء تخلية سبيل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتي خُفّضت من عشرين مليون دولار (هي المرة الأولى التي تٌحدّد فيها الكفالة بالدولار الأميركي وليس بالليرة اللبنانية) إضافة الى خمسة مليارات بالعملة الوطنية، حتى هبّت عاصفة جديدة حول مكان إيداع هذه الكفالة القياسية نقداً وهو صندوق تعاضد القضاة، علماً أن كفالات مرتفعة أيضاً بلغت ما يُقارب 20 مليار ليرة لبنانية أي ما يوازي نحو 220 ألف دولار حُددت لقاء تخلية سبيل رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري وثلاثة آخرين كانوا موقوفين معه في ملف الكازينو وذلك عن كل واحد منهم، فهل ذهبت هذه المبالغ أيضاً الى صندوق تعاضد القضاة؟
بحسب القانون، لا يجوز إيداع كفالات جزائية في صندوق تعاضد القضاة لأن هذه الكفالات هي أموال ذات طبيعة جزائية عامة، لكن تم إيداعها في خزائن صندوق تعاضد القضاة (يقع في الطابق الثاني من وزارة العدل)، كما يقول مصدر حقوقي بارز، كأمانة فقط لوجود خزنة ضخمة لدى الصندوق تتسع لمثل هذا المبلغ الكبير.
في الأساس، الكفالات المالية القضائية في لبنان تُودَع في صندوق وزارة المالية وتُعتبر من واردات الخزينة العامة، لكن هناك حالات محدّدة يمكن أن تُحوَّل فيها مبالغ إلى صندوق تعاضد القضاة الذي يتم تمويله من مصادر متعددة منها: اشتراكات الأعضاء المنتسبين وهي شهرية يحدّدها مجلس إدارة الصندوق ويوقّع عليها وزير العدل، كما يتم تمويله من منح الدولة ورسوم الطوابع المنصوص عليها في القوانين مثل طوابع السير، ويحق للصندوق قبول الوصايا والهبات (منها هبة سخية وردت على دفعتين من قضاة العراق على سبيل المثال لا الحصر) والمنح والموارد الأخرى، على أن يستثمر الصندوق هذه الأموال لتحقيق أهدافه لأنه يملك شخصية معنوية مما يسمح له بقبولها من المؤسسات والأفراد.
بالمحصلة، الكفالات القضائية ليست المصدر المباشر لتمويل الصندوق إلا إذا نصّ حكم أو قانون خاص على اقتطاع جزء منها، من هنا فإن الجهة المستفيدة الرسمية من الكفالات هي وزارة المالية اللبنانية ويُخصص جزء ضئيل منها الى صندوق تعاضد القضاة، وهذه الأموال تُعاد الى أصحابها في حال انتهاء المحاكمة من دون إخلال بالشروط، بحسب القوانين المرعية، فهل يمكن إغفال مخالفة صريحة تقترفها الدولة بحق نفسها عندما تتخطى القانون وتتخلى عن أموال عامة هي من حقها؟