إماطة اللثام عن حقبة إيران الثورة ودورها الإقليمي

إماطة اللثام عن حقبة إيران الثورة ودورها الإقليمي

جورج أبو صعب

في عودة الى أصل انطلاق الثورة الإسلامية في إيران يجب أن لا ننسى 3 حقائق :

  • إن من جلب هذا النظام الى المنطقة هم الأميركيون والفرنسيون أي الغرب وكان إحضار الخميني الى إيران أثناء مفاوضات كامب ديفيد.
  • إن زرع النظام الثوري الإيراني عام 1979 في المنطقة كان نقيض الأنظمة العربية الوطنية التي استقرت بعد انسحاب المستعمر الأجنبي من المنطقة وازدهار تلك الدول بفعل ارتفاع أسعار النفط خصوصاً بعد حرب 1973 بحيث أصبحت دول المنطقة ثرية وقابلة للتطور ومنها إيران الشاه .
  • لم تتأسس الدولة الإيرانية على مفهوم الدولة الوطنية بل فقط على مفهوم الثورة الإسلامية وتصديرها الى المنطقة والعالم وهذا ما يفسر تعقيدات البنية الدستورية والتركيبة السياسية في داخل الدولة .
    إنطلاقاً من هذه الحقائق،كان زرع الثورة الإسلامية في المنطقة بهدف واضح : منع تقدم وتطور المنطقة العربية وشعوبها من خلال إنشاء كيان إسلامي فوضوي وانقلابي النزعة يفتت الدول الوطنية .

اذا كان آية الله الخميني، مؤسس هذه الثورة، قد اعتمد أسلوب الحرب المباشرة مع الجار العربي الأقوى أي العراق في نشر وتصدير مبادئ الثورة، فإن خليفته المرشد علي الخامنئي اعتمد أسلوب الحروب بالواسطة أي الحروب عبر الوكلاء أي الميليشيات والكيانات الفوضوية التي أنشأتها الثورة في بعض العواصم أمثال حزب الله في لبنان لتقويض مفاهيم هذه الدول وجرّها الى السقوط والتهاوي بدافع ايماني معين.
لطالما قلنا أن إيران حاجة أميركية غربية لإبقاء حجة تدخل في المنطقة وشؤونها، والغرب يعلم تمام العلم أنه أينما يحل النموذج الثوري الإيراني تحل معه الإنهيارات لأن النموذج المذكور لا يتآلف ونموذج الدول الوطنية، خصوصاً متى كانت الدول الوطنية ضعيفة البنيان كما هي حال لبنان .
لكن في المقابل، بدأ الإيرانيون يدركون المفعول المرتّد لهذه الإنهيارات، حيث بدأ تأثر الداخل الإيراني بالإنهيارات في الدول التي تحتلها أي العراق وسوريا واليمن ولبنان،
كما أن إيران تدرك تمام الإدراك أنه، وإن كان المطلوب وجودها في هذه المنطقة لأهداف جيو استراتيجية، الا أنه ليس مسموحاً لها بأن تتخطى في حجمها خطوطاً حمر مرسومة لها من الغرب .
طبيعة الإيرانيين اعتماد أسلوب "الغطرسة" لكسب النفوذ والظهور كدولة فيها مكاسب وتستطيع السيطرة على دول المنطقة لكن هذه الصورة فقدت الكثير من بريقها حتى منذ ما قبل مقتل سليماني.
وإيران حالياً مهددة من الداخل بالسقوط لأن الخارج لا يريد سقوط النظام بشرط أن يبقى ملتزماً بالخطوط الحمر وقواعد اللعبة الإقليمية والدولية، لذلك فإن فيينا تبيح لطهران الوصول الى مرحلة العتبة النووية وليس الدولة النووية مع تطبيق نظام رقابي دولي صارم،
ولنقلها بصراحة : لا يناسب الغرب سقوط طهران لتقوية العرب، وهذا ما يجعل أن أي حرب مباشرة ضد إيران من قبل إسرائيل أو الغرب مستبعدة إن لم تكن مستحيلة، لكن في المقابل على إيران أن لا تزعج إسرائيل والا كان الثمن قدرة تل ابيب على تقليم أظافر إيران في سوريا وغزة ولبنان عسكرياً وأن لا يكون لطهران منفذ على المتوسط، وقد كانت تجربتها في سوريا غير مشجعة لها مع مزاحمة الروس وتمركزهم على شواطئ شمال غرب سوريا .
الغرب يريد إيران خادمة لمصالحه، وبنفس الوقت عامل توتر وقلاقل في المنطقة العربية وضد أنظمتها المركزية ولذا سمح لها خلال الفترة السابقة بإنشاء ودعم ميليشيات تابعة لها وموالية لأجندتها وعقيدتها انطلاقاً من مبدأ تصدير الثورة للتدخل في حوكمة تلك الدول وضربها وانهيارها وأفضل مثال ما حصل ويحصل في لبنان واليمن والعراق وسوريا والعمل على تفتيت دول المنطقة منذ العام 2011 بشكل مركز وزرع التوتر المتنقل في الأماكن الجيو سياسية الحساسة كمثل مياه الخليج والمضائق والإقدام على أعمال تخريبية متفرقة .

اذاً حتى هذه اللحظة ليس مسموحاً لطهران بتملك القنبلة النووية بل فقط أن تصبح إحدى دول ما يسمى "العتبة النووية" كما يُقال إرضاءً لها من الغرب، فلا إمكانية للعودة الى اتفاق 2015 مخافة من إدخال المنطقة ولا سيما الخليج في سباق تسلح نووي خطير لا يريده الغرب ولذلك تنشط المشاريع العربية والإقليمية كمثل التطبيع العربي الخليجي الإسرائيلي ومشروع الشام الجديد وسواها من مشاريع عربية نابعة من قرارات استراتيجية عربية من أجل إقفال الطريق على إيران من جهة وعلى الغرب من جهة ثانية إن هو حاول إضعاف الشوكة العربية في لحظة ما لحساب إيران .
وفق هذه المشهدية العامة لم يعد مفاجئاً أن يُربط لبنان بالتسوية الإقليمية النهائية، وباعادة ترتيب أوراق المنطقة، وقد بدأ حراك كبير في الكونغرس الأميركي مرافق لحراك كبير لدى الأوروبيين تجلّى في مؤتمر باريس الأخير لدعم لبنان وصولاً الى الإتصالات والأبحاث الجارية على أعلى المستويات بين عواصم القرار العالمية للبحث في مستقبل البلد وصيغته الفضلى .
أزمة لبنان شئنا، أم أبينا، دخلت مجال التدويل ليس من اليوم بل من العام 1982 عندما ظهر حزب الله على الساحة اللبنانية ومعه كانت بداية الدور الإيراني في هذا البلد، لكن كان دوره متخفياً وراء الدور السوري والإحتلال الأسدي للبنان، فتماماً كما بدأ التأسيس للعمل الفدائي الفلسطيني في لبنان مع افتتاح مكتب منظمة التحرير في بيروت وإعطاء لبنان الفلسطينيين حق الانخراط في جيش التحرير الفلسطيني على أن يتم تدريبهم في لبنان ما لبث الشقيري أن دشّن قاعدة تدريب في كيفون من دون إذن الدولة اللبنانية الى أن انفلت السلاح الفلسطيني على مساحة الوطن من دون ضوابط لدرجة تنفيذ عمليات فدائية من داخل الأراضي اللبنانية ضد إسرائيل اعتباراً من العام 1965 وتوريط لبنان في المواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي .
بنفس المشهدية اليوم وفي مقابل تحكم الفلسطينيين بالمعادلة اللبنانية لأكثر من 40 عاماً ها أن حزب الله يتحكم إيرانياً بهذه المشهدية ذات الترابط الإقليمي المباشر نظراً لشدة ترابطها بعناصر الصراع الإقليمي -الدولي ولا شيء يضمن عدم حصول مفاجآت تقلب الكثير من المقاييس خصوصاً في ظل ازدياد الضغوط الداخلية على حكومة بينيت الجديدة لضمان حدود الأمن الشمالي لإسرائيل، ما قد يدفع باتجاه عملية عسكرية ما لإحراج حزب الله الذي يتجنب المواجهات العسكرية حالياً تحت وطأة الأزمات والإنهيارات المتلاحقة في لبنان، في وقت تكثر فيه توقعات إسرائيلية بتراجع احتمالات العودة الى الاتفاق النووي مع إيران .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: