خطوة بالغة الأهمية في مسار التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت تمثلت بإبداء السلطات البلغارية موافقتها على تسليم مالك سفينة "روسوس" إيغور غريتشوكيف للقضاء اللبناني، خصوصاً أن الآمال معلّقة على ما سيقدّم في إفادته أمام المحقق العدلي طارق البيطار باعتبارها ستفتح الباب أمام كشف الكثير من الحقائق المخفية، وستُعتبر مكسباً ثميناً للقضاء اللبناني الذي يسعى إلى معرفة من باع واستقدم وفاوض في عملية إدخال السفينة وحمولتها من النيترات.
لكن وعلى رغم أهمية الخطوة قانوناً، يبقى الرهان على مضمون إفادة الموقوف وما إذا كان يملك الأجوبة فعلاً على الأسئلة التي سيطرحها عليه المحقق العدلي أو مطلق أي قاضٍ ينتدبه البيطار للتحقيق معه في حال عدم استرداده، أو هل سيسمح له الإدلاء بالمعلومات التي تكشف عن تلك "الحقيقة اللغز" التي ينتظرها أهالي الضحايا والجرحى واللبنانيون عموماً؟
الرهان الثاني يتعلق بعامل الوقت لاسترداد الموقوف قبل انتهاء مهلة الأربعين يوماً التي حدّدتها محكمة صوفيا لاحتجازه وتنتهي في 13 تشرين الأول الجاري، إذ إنّ المراسلات الرسمية عبر وزارتَيّ العدل والخارجية والسفارة اللبنانية في بلغاريا بالإضافة إلى احتمال تبادل الإستنابات القضائية، كلها تتطلب وقتاً طويلاً، ما قد يُهدّد إنجاز الطلب قبل انتهاء المهلة.
وثمة خشية من أن تتكرر تجربة القضاء اللبناني مع إسبانيا في ملف الموفد الرسمي للتفاوض على السفينة جورج مورانو، إذ رفضت مدريد تسليمه على رغم صدور إشارة حمراء بحقه.
الترتيبات الرسمية الواجب إنجازها بالتنسيق بين وزارتي العدل والخارجية تجري في السياق المطلوب، لكن العوائق القضائية الناتجة عن الدعاوى التي رفعها المدّعي العام التمييزي ضد البيطار لا تزال تشكل العقبة الأساسية أمام مسار سير تحقيق العدالة في جريمة تفجير المرفأ.
الدعوى الأولى جاءت في كانون الثاني 2023 حيث اتهمه النائب العام التمييزي السابق القاضي المتقاعد غسان عويدات بـ"اغتصاب السلطة" بسبب قراره استئناف متابعة التحقيق في ملف انفجار المرفأ، ورفضه تنفيذ قرارات صادرة من عويدات بإخراج موقوفين. وكان رفض البيطار تلقّي رسالة الدعوى من الضابط العدلي، واعتبر أن قرار عويدات "لا قيمة قانونية له" لأن صلاحية إصدار قرارات إخلاء السبيل تعود للقاضي العدلي وحده في هذا الملف. كما طالب عويدات بمنع البيطار من السفر والقرار لا يزال ساري المفعول ويحول دون انتقاله إلى بلغاريا لاستجواب مالك سفينة "روسوس" في حال عادت ورفضت السلطات البلغارية تسليمه.
ومطلع العام 2024، طُلب من عويدات تصحيح نص الدعوى التي رفعها ضد البيطار، لتحديد المواد القانونية التي استند إليها وفق المقتضى القانوني، لكنه استأنف هذا الطلب أمام الهيئة الاتهامية المختصة. وفي العام 2025، تقدّم عويدات بدعوى مخاصمة ضد البيطار أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، مستندًا إلى "قرارات اتخذها البيطار اعتبرها أخطاءً جسيمة" في التحقيق. وتُعدّ هذه الدعوى واحدة من خمس دعاوى يفترض أن تنظر فيها الهيئة العامة لمحكمة التمييز. لكن تم تعليق العمل في الدعوى إلى حين البت بدعوى الردّ أو الارتياب المشروع.
العقبة الأخيرة التي وُضعت أمام البيطار مصدرها أيضا القاضي عويدات، إذ أعلن في تموز الماضي "أنه لا يعترف بشرعية أي إجراء يقوم به البيطار في الملف، واصفًا إياه بأنه فاقد للصفة والصلاحية والأهلية قانونًا"، كما طالب بالادّعاء عليه أمام المرجع الصالح إن رأى أن سلوكه يستوجب ذلك"، ملوّحًا بالإجراءات القانونية التي يمكن القيام بها ودعا إلى تصحيح المسار القضائي.
توقيف مالك سفينة روسوس في أيلول الماضي أعاد خلط الأوراق في ملف تفجير المرفأ، لكن الدعاوى بقيت قائمة في انتظار البت بها.
عضو مكتب الادّعاء في نقابة المحامين عن تفجير مرفأ بيروت المحامي يوسف لحود يوضح لـ"المركزية" مسار التطورات القانونية في ملف استرداد مالك سفينة روسوس، ويشير إلى أن "هناك اتفاقيات تعاون قضائي تسمح باسترداد الموقوف وهي تسير بشكل قانوني ولا توجد أي تعقيدات. وقد زوّد لبنان القضاء البلغاري بالمعطيات التي طلبها وتحديداً في مسألة عقوبة الإعدام. وإذا ما تم تسليمه للقضاء اللبناني، يصار إلى استجوابه من قبل المحقق العدلي وإلا يتم التحقيق معه في مكان توقيفه في صوفيا".
وفي ما خص قرار منع السفر عن القاضي البيطار يقول المحامي لحود أنه "ظالم وغير قانوني لكن قد يتم رفعه أو الرجوع عنه في اليومين المقبلين، وإذا لم يتمكن القاضي البيطار من السفر خلال المهلة القانونية المعطاة من القضاء البلغاري لاستجواب مالك السفينة الموقوف لدي السلطات البلغارية والمحددة بأربعين يوماً، يمكن للقاضي البيطار أن يكلف قاضياً آخر لاستجوابه".
وتعقيباً على ما يثار عن إبداء الموقوف كامل استعداده للمثول أمام القضاء اللبناني، يؤكد لحود أنه "في هذه الحال، لا يعود هناك موجب لإصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه ويمكنه أن يأتي من تلقاء نفسه للمثول أمام القضاء اللبناني وبمؤازرة الأمن البلغاري لأن هناك مذكرة توقيف دولية صادرة بحقه. فإما أن يقرر قاضي التحقيق توقيفه أو يخلي سبيله".
خلاصة المعطيات، هل وصل ملف تفجير المرفأ بعد مرور خمسة أعوام وشهرين إلى خواتيمه؟
يجيب المحامي لحود جازماً "الملف أصبح في مرحلة متقدّمة، على أن يبدأ العدّ التنازلي عندما تشرع النيابة العامة التمييزية المطالعة بالأساس. وهذا يتحقق عندما يختتم البيطار التحقيقات ويحيل الملف إلى "التمييزية" لإبداء المطالعة بالأساس. حينذاك يمكن الجزم بأن الأمور أصبحت في خواتيمها".