أثار بيان بلدية الحدث الأخير، الرافض بيع العقارات لغير المسيحيين ضمن نطاقها، عاصفة من الجدل بين من اعتبره خرقاً فاضحاً للدستور، ومن رأى فيه صرخة دفاع عن الوجود المسيحي في بلد يشهد تبدلات ديموغرافية متسارعة ومقلقة.
بحسب خبير قانوني، لا تملك أي بلدية في لبنان صلاحية التدخل في حرية التصرّف بالملكية الخاصة، إذ يضمن الدستور في مادته السابعة أن "كل اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية"، كما تنص المادة 15 على أن "الملكية في حمى القانون، ولا يُنزع من أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة وبعد تعويض عادل".
إلا أن ما يعتبره القانونيون تجاوزاً فاضحاً، يراه آخرون ردّ فعل على شعور مزمن بالتهديد، فالهاجس الديموغرافي الذي يستند إليه رئيس بلدية الحدث ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، حين شهدت البلاد تحوّلات سكانية واسعة بسبب النزوح الداخلي، وبدأت التركيبة الديموغرافية لمناطق كثيرة تتبدّل تدريجياً.
من وجهة نظر هذه الفئة، لا يمكن فصل قرار بلدية الحدث عن إحساس متنامٍ لدى قسم من المسيحيين بأن وجودهم في محيط العاصمة بات مهدّداً، وأن التمدّد الشيعي، المدعوم سياسياً واقتصادياً من حزب الله، يتقدّم بثبات نحو مناطق كانت تُعدّ رموزاً للوجود المسيحي في بيروت وضواحيها.
وقد تعمّق هذا الإحساس أخيراً بعد الحرب الأخيرة التي طاولت الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، والتي أدّت إلى نزوح أعداد كبيرة من العائلات الشيعية نحو مناطق أكثر أمناً، بعضها قريب من المناطق المسيحية المحيطة، ما أعاد إلى الواجهة المخاوف القديمة من "التمدّد الديموغرافي" ومن تغيّر هوية المكان.
هذا التخوّف لا ينبع فقط من الجانب الديني أو الطائفي، بل من تجربة الحرب الأهلية التي رسّخت في الذاكرة اللبنانية فكرة "الغلبة الديموغرافية" كأداة نفوذ سياسي وأمني، فباتت كل طائفة تبحث عن وسائل "حماية ذاتية"، حتى لو أتت على حساب الدستور والمواطنة.
وفي النهاية، يقف البلد أمام مفارقة لبنانية بامتياز، بين قانون يعلن المساواة أمام الجميع، وواقع طائفي يعيد إنتاج الخوف والانعزال باسم “الحماية”.