برغم انتهاء الحروب المفتوحة في المناطق الجنوبية، لا تزال القرى الحدودية تعاني من الغارات الإسرائيلية المتقطعة، التي تؤثر سلباً على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان. وتزداد هذه الأوضاع سوءاً مع بدء موسم قطف الزيتون، حيث يواجه المزارعون صعوبات كبيرة في الوصول إلى أراضيهم وتأمين رزقهم، وسط أجواء من الخوف والقلق المستمرين.
منذ بدء الحرب، تكبّدت المناطق الحدودية خسائر ضخمة في البُنى التحتية، وتُشير بيانات إلى أنّ "ما لا يقلّ عن 23 % من المنشآت التجارية والصناعية في الجنوب تعرضت لأضرار جسيمة أو دمرت بالكامل".
كما أن القطاع الزراعي، وخصوصاً الأشجار المثمرة مثل الزيتون، تعرّض لضربات مباشرة، إذ إنّ مناطق الجنوب تنتج نحو 38% من محصول الزيتون اللبناني تقريباً، لكن الغارات منعت عدداً كبيراً من المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في وقت الحصاد.
إضافةً إلى ذلك، توقّف كثير من المحالّ التجارية أو خفّ نشاطها بسبب الخوف من الغارات أو بسبب نزوح التجّار، ما أدّى إلى انهيار في الدورة الاقتصادية المحلية.
وفي هذا المناخ، بدأ أصحاب المحالّ في المناطق التي تبدو "آمنة نسبياً" من الجنوب برفع بدلات الإيجار، مستغلّين التضخّم، تراجع الحركة التجارية، ونقص المعروض من المحال المتاحة، ما زاد العبء على التجّار الصغار والمستأجرين.
في محاولةٍ لفهم تأثير احتكار الإيجارات على حياة التجار الصغار، أكد أبو علي وهبي، صاحب محلّ لبيع الأدوات المنزلية في سوق النبطية أن "الوضع صعب جداً. صحيح أنّ وطأة القصف انخفضت، لكن الحركة التجارية شبه مشلولة. الناس تُنفق فقط على الأساسيات، ومعظم الزبائن تراجعوا. كأنّنا خرجنا من حربٍ عسكرية ودخلنا حرباً اقتصادية".
وعن إيجار المحل، قال أبو علي: "تغيّر كثيراً، بل تضاعف، كنت أدفع ٤٠ دولار شهرياً، واليوم يطلب المالك ١٥٠ دولار في الشهر. يقولون إنّ الأسعار ارتفعت وإنّ السوق تحرّك، لكن الواقع عكس ذلك تماماً".
وأشار الى أن "حاولت البحث عن محلّ آخر، لكن كلّ المالكين يرفعون الأسعار بالطريقة نفسها. بعضهم يستغلّ خوفنا من خسارة الزبائن أو إغلاق المحل، فيفرض ما يشاء، من الصعب أن تنقل تجارتك أو تبدأ من الصفر في ظروف كهذه".
وعن ماذا يحتاج التاجر اليوم ليصمد، رأى أبو علي أنه "يحتاج إلى إنصاف، إلى رقابة من الدولة على الإيجارات، وإلى دعمٍ حقيقي يُعيد الحياة إلى السوق. الناس في الجنوب تعبت، ونحن نعمل اليوم فقط لنغطي إيجار المحل، لا لنعيش".
وفي موسم الزيتون هذا العام، الذي يُعدّ شريان رزق لكثير من العائلات في الجنوب، وجد المزارع نفسه محاصراً، بين الخوف من الغارات المتبقية، التهديدات الأمنية، وارتفاع كلفة التعامل مع الأرض. فبدل أن يكون موسم "فرصة للعيش"، أصبح موسم "أن نتجنّب الخسارة أو على أقل تقدير نُقلّلها".
وبينما يصف البعض ما حصل بأنه "انتهاء الحرب الكبرى" فإن الواقع يقول إنّ حرباً اقتصادية واجتماعية لا تزال دائرة، تهدّم حياة الناس بهدوء، وكأنها حرب صامتة. الأسر في الجنوب اليوم لا تحتاج فقط إلى إعادة بناء منازلها أو محالّها، بل إلى استعادة الأمل في الدخل، في الأرض، وفي الاستقرار اليومي.
في الختام، لا يكفي القول إنّ "الحرب انتهت" ما لم يُصبح بإمكان المزارع أن يقطف زيتونه بأمان، والمحلّ أن يفتح بانتظام، والمستأجر أن يدفع إيجاراً يعرف قيمة وقُدرة. هذا يتطلّب من الدولة والمجتمع المدني والدعم الدولي أن يُعطوا الجنوب حصّة أولى من الدعم والإصلاح، كي لا يُنسى بين خرائب الصراع.