مع تصاعد التوترات الإقليمية واستمرار الجمود السياسي في لبنان، تقف البلاد على مفترق خطير بين حرب محتملة مع إسرائيل واقتتال داخلي جديد. فالمشهد الإقليمي يزداد اشتعالًا، والضغوط الدولية تتصاعد، فيما يجد لبنان نفسه في قلب لعبة كبرى عنوانها نزع سلاح حزب الله أو جرّه إلى مواجهة تُضعف موقعه وتعيد رسم ميزان القوى الداخلي. بين حرب مدمّرة قد تفرض واقعاً جديداً على الحدود، وصدام داخلي يعيد شبح الطيونة، يبقى الرابح الوحيد، في الحالتين، هو إسرائيل، والخاسر الأكبر هو لبنان الذي يترنّح فوق خط النار.
في هذا السياق، أشار الصحافي ألان سركيس عبر موقع LebTalks إلى أنّه "إذا تابعنا تصاعد العمليات العسكرية، سواء في البقاع أو في الجنوب أو في سائر المناطق، نلاحظ نوعاً من الاستهدافات المدروسة. وإذا قرأنا الخطاب الإسرائيلي والأميركي وقارنّاه بخطاب حزب الله الذي يتحدث عن إعادة الترميم وبناء القدرات العسكرية، نجد أننا متّجهون نحو مواجهة جديدة بين حزب الله وإسرائيل".
أضاف سركيس: "بعدما أنهت إسرائيل عملياً حربها على غزة بنسبة كبيرة، وبعد فشل الاتفاق الأميركي الذي وقع برعاية واشنطن، يبدو أن الأنظار بدأت تتجه إلى الساحة اللبنانية. وإذا تأملنا التطورات الميدانية في غزة والضفة الغربية، نرى أن إسرائيل تعمل على منع قيام أي جبهة جديدة هناك، فيما يواصل حزب الله إعطاء الذرائع لتل أبيب لضربه، من خلال التصريحات اليومية عن ترميم قدراته العسكرية وبناء منظومته القتالية، وكأنه يستفز إسرائيل لشنّ حرب جديدة على لبنان".
وتابع: "هذا التطور يأتي خارج إطار اتفاق 27 تشرين، الذي نصّ صحيحاً على تدمير البنية التحتية للمجموعات المسلحة جنوب الليطاني، لكنه في الوقت نفسه أكّد على حصر السلاح بيد القوى الشرعية فقط. رأينا في السابق كيف تمّ نزع السلاح الفلسطيني في المخيمات، وصدرت قرارات واضحة عن مجلس الوزراء في جلستي الخامس والسابع من ذلك العام بهذا الشأن. من هنا، يبدو أننا ذاهبون نحو مواجهة عسكرية خطيرة، يقف خلفها حزب الله بدعم من إيران، فيما تستعد إسرائيل بدورها لشنّ عملية لعدم ترك أي فصيل مسلح على حدودها".
وأشار سركيس إلى أن "الحرب المقبلة لن تشبه سابقاتها، فهي لن تكون كسائر الحروب السبع الماضية، بل ستكون حربًا نهائية قد تؤدي إلى انهيار حزب الله تمامًا، كما حدث مع حركة حماس حين تمادت في تحدّيها ثم اضطرت في النهاية إلى التراجع والاستسلام. إلا أن حزب الله، كما يبدو، لن يلين، فهو لا يردّ لا على المجتمع الدولي ولا على الداخل اللبناني، بل ماضٍ في تنفيذ الأجندة الإيرانية حتى النهاية".
ورداً على سؤال إذا كانت إسرائيل اليوم تعتمد تكتيكًا جديدًا يقوم على ترك الساحة اللبنانية تغلي من الداخل، وترك التوتر يتصاعد بين حزب الله وسائر القوى، بحيث نصل إلى ما يشبه طيونة جديدة، لفت سركيس الى أنه "فبعد أحداث الطيونة عام 2021، خرج الامين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله ليتحدث عن مئة ألف مقاتل، لكن الواقع أثبت أن الحروب لم تعد تُخاض بالأعداد أو بالمدافع، بل بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهو مجال متقدّم جدًا بالنسبة لإسرائيل ومتأخر بالنسبة للحزب".
وتابع: "من المحتمل أن تعمد إسرائيل في الحرب المقبلة إلى ضرب الجنوب والبقاع معًا، ولا سيما مناطق تخزين الأسلحة الاستراتيجية في البقاع الشمالي، إذ إن هدفها الأساس هو تدمير ما تبقّى من قدرات الحزب الدقيقة. الحرب ستكون قاسية بلا شك، لكن الصورة العامة تشير إلى أن حزب الله فقد نحو 90% من قوته، ولم يعد قادرًا على خوض مواجهة متكافئة مع إسرائيل، بينما الأخيرة لن تبقى مكتوفة الأيدي، وقد تمتد ضرباتها إلى الدولة اللبنانية نفسها".
وختم سركيس بالقول: "إذا استمرت الدولة اللبنانية في التصاقها بحزب الله وتردّدها في اتخاذ خطوات جدّية تجاه المجتمع الدولي، فإنها ستتحمّل هي أيضًا جزءًا من العقوبات والنتائج. فلبنان اليوم يتصرّف بعقلية إميل لحود والنظام البعثي، وبعقلية حزب الله، وهذا ما سيكلفه الثمن الأكبر. فبينما دخلت معظم الدول العربية في مفاوضات أو اتفاقات متقدّمة مع إسرائيل، ما زال لبنان يراوح مكانه ويزايد بخطاب المقاومة، في وقت تتجه فيه حتى الفصائل الفلسطينية نحو تسويات سياسية".
في ظلّ هذا المشهد المعقّد، يبدو أن لبنان يسير على حافة الهاوية، وسط غياب أي رؤية وطنية جامعة أو مبادرة حقيقية للإنقاذ. فالمعادلة الحالية، القائمة على سياسة الانتظار والتحدّي في آن واحد، لم تعد مجدية. لبنان اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما مواجهة تدمّر ما تبقّى من دولته، أو استسلام سياسي يعيد رسم خريطته الداخلية وفق ميزان القوى الجديد في المنطقة. وفي الحالتين، يبقى الشعب اللبناني الضحية الأولى، يدفع ثمن صراع الآخرين على أرضه.