من المعلوم أن "القرش الأبيض مخبأ لليوم الأسود"، فكيف إذا كان القرش أصفراً والأيام حالكة السواد؟ منذ العام 2019 ويعيش لبنان انهيارات متدرجة من المال إلى السياسة فالأمن وتفجير مرفأ بيروت إلى الأوبئة وصولاً إلى الحرب الإسرائيلية المدمرة.
ويلهث لبنان وراء قرضٍ من صندوق النقد الدولي منذ العام 2020 ولا تتجاوز قيمته 3 مليارات دولار، ولم يوافق الصندوق إلى اليوم على توقيع اتفاق تمويل مع لبنان بسبب شروطه القاسية وعلى رأسها بند الإصلاحات التعزيزية، علماً أن قرض الصندوق سوف يكبّل لبنان واللبنانيين بإجراءات بالغة الصعوبة على مدى عشرات السنوات، ولن يؤمن حاجة اللبنانيين لجهة التعويض عن المليارات التي خسروها في انهيار 2019.
ومن هنا، ترى مصادر إقتصادية معنيّة أن طرح البعض التصرف باحتياط لبنان من الذهب وفي لحظة ارتفاعٍ غير مسبوق للمعدن الأصفر، قد بات موضوعاً على الطاولة، حيث من الممكن استثماره وليس بيعه كما يسوّق من قبل جهاتٍ مصرفية واقتصادية وسياسية.
إلاّ أن هذا الأمر دونه الكثير من المحاذير، أبرزها الخشية من ضياع الذهب في دهاليز المحاصصة والهدر والفساد، وتكرار تجارب دول أخرى خسرت احتياطاتها جراء غياب الإدارة الشفافة والفاعلة.
ومن الثابت، كما تقول المصادر الإقتصادية أن ارتفاع سعر الذهب يعود لظروف عدة يأتي في مقدمها تراجع الدولار عالمياً والصراعات والحروب العالمية والسباق بين الدول على الإستثمار في الملاذ الآمن الذي يوفره الذهب، ولذلك فإن هذا الإرتفاع قد لا يدوم وهو خاضع للعوامل السياسية كما الإقتصادية والمالية العالمية في المرحلة المقبلة.
وعليه، فإن التعاطي مع طرح استثمار الذهب "اللبناني"، قد يكون الخيار الأفضل اليوم، خصوصاً بعدما ارتفع سعره من 13 إلى 40 مليار دولار، إذ تقول المصادر عينها إن كل ما هو مطروح حول البيع ليس وارداً خصوصاً لجهة بيع كل الكمية الموجودة خصوصاً وأن سعر الذهب قد تضاعف وبالتالي فإن تأمين 10 مليارات دولار من خلال استثمار جزء بسيط من الذهب، وهو قد يكون كافياً لبقاء الدولة والإقتصاد والإستغناء عن قرض ال3 مليارات من صندوق النقد.
وبالأرقام توضح هذه المصادر أنه في السابق، كان يبلغ سعر احتياطي ذهب لبنان 13 مليار دولار، بينما اليوم فإن السعر ارتفع إلى 40 مليار دولار، بمعنى أن بيع جزء منه لتأمين 10 مليارات، سيحقق هدفين، الأول هو الحفاظ على 30 مليار دولار، والثاني هو توفير أعوامٍ من التقشف والديون لصندوق النقد مقابل 3 مليارات فقط.
قد يكون القلق لدى اللبنانيين على الذهب الذي بات الثروة الوحيدة اليوم بعد ضياع الثروات والفرص مبرراً، إنما الجمود وانتظار صندوق النقد غير مبرر بعدما تأكد للجميع استحالة تنفيذ شروطه للحصول على قرضٍ لا يحل أزمة لبنان، ما يستدعي مبادرةً مدروسة وتقنية وشفافة لإدارة هذه الثروة، وبالطبع من ضمن شروط وظروف سياسية مختلفة بالكامل عن كل الحقبات السابقة.