لم تعد المولدات الخاصة في لبنان مجرّد وسيلة طارئة لتأمين الكهرباء، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطنين. فمنذ سنوات طويلة، يعاني اللبنانيون من انقطاع التيار الكهربائي الرسمي لساعات طويلة، ما دفعهم إلى الاعتماد على ما يُعرف بـ"اشتراك المولد"، الذي بات بديلاً شبه دائم للكهرباء الرسمية، رغم كلفته الباهظة وآثاره البيئية والاجتماعية.
منذ انتهاء الحرب الأهلية، فشلت الحكومات المتعاقبة في إصلاح قطاع الكهرباء أو تحديث البنية التحتية القديمة. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية منذ العام 2019، أصبح انقطاع الكهرباء واقعاً شبه دائم، فيما تُنتج مؤسسة كهرباء لبنان طاقة محدودة لا تكفي لتغطية أكثر من ساعات قليلة يومياً. في هذا الفراغ، برزت المولدات الخاصة كخدمة بديلة، يديرها أفراد أو شركات صغيرة في الأحياء، لتغدو مع الوقت قطاعاً موازياً للكهرباء الرسمية.
يقدّر الخبراء أنّ قطاع المولدات الخاصة يدرّ سنوياً ما يزيد عن مليار دولار، في ظل غياب أي رقابة فعلية أو تسعيرة موحّدة. يقول الباحث الاقتصادي الدكتور رامي ادلبي في حديث لـLebTalks: "لقد تحوّل قطاع المولدات إلى اقتصاد موازٍ يقوم على العجز الرسمي. هو ليس مجرد بديل كهربائي، بل منظومة متكاملة تضم تجار المازوت وأصحاب المولدات وشبكات التوزيع المحلية. هذا القطاع يعمل بمعزل عن الدولة، لكنه في الوقت نفسه يسدّ فراغها".
يضيف موضحاً: "المواطن اليوم يدفع فاتورتين: واحدة رمزية لمؤسسة الكهرباء، وأخرى باهظة لأصحاب المولدات. هذه الازدواجية لا يمكن أن تستمر، لأنّها تُرهق الأسر محدودة الدخل وتخلق تفاوتاً اجتماعياً خطيراً بين من يستطيع تأمين الكهرباء طوال اليوم ومن يعيش في العتمة".
ويشير إلى أنّ "هذه الأزمة تنعكس على مجمل الدورة الاقتصادية، إذ تُضعف الإنتاجية في المصانع والمتاجر، وتزيد من كلفة المعيشة. كما أنّ الاعتماد الكلي على المولدات يعني استهلاكاً ضخمًا للمازوت، ما يفاقم العجز في ميزان الطاقة ويستنزف احتياطي الدولار".
من جهة، المولدات الخاصة رغم ضرورتها الحالية، تترك آثارًا بيئية مقلقة: انبعاثات كثيفة من الدخان، وضجيج مستمر في الأحياء المكتظة. ويرى ادلبي أنّ “التحوّل إلى الطاقة الشمسية يمكن أن يكون المخرج الحقيقي، شرط أن يُدار ضمن خطة وطنية شاملة، وليس عبر مبادرات فردية محدودة".
يضيف: "لبنان يمتلك أكثر من 300 يوم مشمس سنوياً، ما يجعله مؤهلاً لتبنّي نموذج مستدام للطاقة النظيفة. لكن غياب التشريعات والدعم المالي يجعل التحوّل بطيئاً ومحصوراً بالفئات الميسورة".
بدوره، يرى أبو فادي وهو صاحب مولّد خاص في اقليم الخروب، أنّ "أصحاب المولدات ليسوا تجار أزمة، بل عمال اضطروا لتأمين خدمة غابت عنها الدولة". يقول: "نحن نتحمّل مصاريف ضخمة من مازوت وصيانة وقطع غيار. الأسعار نحددها بناءً على كلفة التشغيل وليس بهدف الربح المفرط. هناك من يظن أننا نستغل الناس، لكن الحقيقة أنّنا نكافح للاستمرار".
ويتابع أبو فادي: "الدولة والبلديات لا تنظّمنا ولا تدعمنا، وفي الوقت نفسه المواطن يحمّلنا مسؤولية الغلاء. نحن لسنا البديل الطبيعي للكهرباء، بل حلّ اضطراري إلى أن تعود الدولة إلى القيام بواجبها".
هكذا، تبقى المولدات الخاصة وجهاً من وجوه الأزمة اللبنانية العميقة: حلٌّ مؤقت تحوّل إلى نظام دائم، واقتصادٌ موازٍ يحلّ مكان الدولة الغائبة. وبين ضجيج المولدات وأصوات الناس المطالبة بالكهرباء، يبقى النور في لبنان رهينة سياسات فاشلة، حتى إشعار آخر.