حتى ساعة كتابة هذا المقال، ملف المفاوضات الأميركية - الإيرانية ليس على ما يرام. فالأميركي ليس متحمساً للسير في مفاوضات ومحادثات جديدة مع الإيراني إلا تحت سقف إنهاء البرنامج النووي، والإيراني يرفض الشروط الأميركية، في وقت ترزح فيه إيران داخلياً تحت وطأة العقوبات التي أعادت فرضها أوروبا ضمن إعادة تفعيل برنامج "السناب باك" أو كبح الزناد، ما يتسبب بأزمة داخلية تتعمق يوماً بعد يوم في الداخل الإيراني. وبالتالي، فإن "القطبة المخفية" هي لدى إيران لجهة ما ستفعله للخروج من مأزقها القاتل.
طهران تحاول لعب ورقة المماطلة لتمرير الوقت حتى رحيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البيت الأبيض، في وقت تراهن الدول العربية ومعها أميركا على إنهاء الملف الإيراني في مهلة أقصاها العام 2026، بحيث ستكون سنة إنجاز أكبر قدر ممكن من الاتفاقيات الإبراهيمية، ما يعزز فرضية عدم بقاء سلاح لحزب الله في لبنان، أو الحشد الشعبي في العراق، أو الحوثيين في اليمن حتى ذلك الحين.
واشنطن تضغط بقوة على دول المنطقة التي فيها أذرع إيران، وبخاصة في ملف الحشد الشعبي في العراق، للتوصل إلى فصله عن قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران والحرس الثوري، وكذلك في لبنان مع حزب الله، وهذا الضغط الأميركي المكثف يرسم ملامح أحد السيناريوهين التاليين: الأول، أن تلجأ طهران، حفاظاً على رأس نظامها هذه المرة، إلى الطلب من "الحزب" والحشد تسليم السلاح.
والثاني، أن تعمد واشنطن مع إسرائيل إلى ضرب الأذرع نهائياً لتحييد تأثير إيران الإقليمي وتجريدها من أدوات الضغط، تمهيداً لجرها إلى طاولة الاستسلام والتفاوض على رأس نظامها.
إيران باتت مكشوفة كلياً بعد الحرب الأخيرة المباشرة عليها، وباتت القيادة الإيرانية مرغمة على المباشرة ببعض الإصلاحات، كإعطاء مزيد من الحقوق للمرأة منذ أسبوعين. فالنظام الإيراني بوضعيته السيئة بات يخشى الداخل أكثر من خشيته من الخارج.
مصير النظام الإيراني هذه المرة على المحك، والخلاف الأميركي - الإسرائيلي الذي سحل في حرب حزيران الماضي على إيران حول مسألة إسقاط النظام لم يعد موجوداً، لأن واشنطن باتت أقرب إلى النظرية الإسرائيلية بالذهاب إلى حد إسقاط النظام هذه المرة إن استمرت القيادة الإيرانية في رفض الشروط الأميركية.
هذه المرة، واشنطن فتحت باب النقاش مع المعارضة الإيرانية في الخارج بمعية الأوروبيين للإعداد لمرحلة ما بعد سقوط النظام، وتحييد الجيش الإيراني للإبقاء عليه بعد زوال الحرس الثوري لحماية النظام الجديد والشعب.
لطالما كان الرئيس ترامب ضد إسقاط النظام الإيراني خوفاً من الفوضى وإراقة الدماء والتداعيات الداخلية والإقليمية، وهو لطالما كان يفضل أن ترضخ القيادة الإيرانية لشروطه والتنازل عن برنامجها النووي. وفي الضربة الأميركية الأخيرة للبرنامج النووي، نجحت واشنطن في تأخير أية مفاعلات نووية جديدة، ما يمهد الطريق أمام سقوط النظام إن لم يقبل بالجلوس إلى طاولة التفاوض بحسب شروط البيت الأبيض.
انطلاقًا من مجمل ما قيل أعلاه، يمكن الجزم بأمرين: الأول، أن العد العكسي لسقوط النظام في إيران بدأ، ما لم يبادر إلى تسوية ينهي بموجبها أذرعه في المنطقة بنفسه من خلال أمره لها بتسليم سلاحها. والثاني، أن النظام الإيراني محاصر ديبلوماسياً ومعيشياً ودولياً ومالياً، ما يعجل في سقوطه إن استمر في المكابرة ونكران الواقع. وتغير المعادلات وموازين القوى الإقليمية والدولية، لا سيما أن لا الروس ولا الصينيين مستعدان للتورط مع الأميركي دفاعًا عن جمهورية إسلامية مهترئة وعبء على الحلفاء.
النظام الإيراني في وضع خطير لا يُحسد عليه، فإِن استمر في استخدام ما تبقى من أذرعه الإقليميين لمحاولة الضغط على الأميركي، فهو يخاطر بهم وبنفسه من بعدهم، وإن قبل بشروط الرئيس ترامب، فهو يقضي على نفسه داخلياً قبل الخارج.
إنه المأزق الإيراني الحقيقي الذي يجعله منكشفاً وضعيفاً جداً في أي مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.