في تحول غير مسبوق، كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن احتمال أن يكون لبنان لا دولة خليجية جديدة هو الطرف العربي التالي في مسار السلام مع إسرائيل، الصحيفة التي نادراً ما تتناول الملف اللبناني بهذا العمق، أكدت أن الحديث عن السلام لم يعد من المحرمات في بيروت، وأن الساحة اللبنانية تشهد اليوم حواراً وطنياً جدياً حول الفكرة، مشيرة إلى أن الضغط الأميركي المتزايد قد يحول الأقوال إلى خطوات عملية خلال المرحلة المقبلة.
تحول في المزاج اللبناني
تقول الصحيفة إن هذا التوجه المفاجئ تقف خلفه عاملان حاسمان، أولاً، الهزيمة القاسية التي مُني بها حزب الله العام الماضي، والتي أقنعت شريحة متزايدة من اللبنانيين بأن المصالحة مع إسرائيل قد تكون المخرج الوحيد من دوامة العنف التي تعصف بالبلاد منذ أربعة عقود.
وثانياً، الاندفاعة الأميركية بقيادة إدارة الرئيس دونالد ترامب لتوسيع اتفاقيات إبراهيم، وهو ما جعل فكرة السلام بين لبنان وإسرائيل تبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى.
عون والمبادرة العربية
وكان الرئيس جوزاف عون قد أعلن خلال مشاركته في القمة العربية الإسلامية في قطر أن لبنان جاهز للسلام وفق مبادرة السلام العربية، وهي المبادرة التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2002، وتنص على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من الجولان مقابل التطبيع العربي الكامل مع إسرائيل.
مصادر سياسية مطلعة أكدت عبر منصة LebTalks أن عون أعاد إحياء هذا الملف استناداً إلى إجماع عربي ودولي، معتبرة أن العودة إلى المبادرة تشكل موقفاً سيادياً ذكياً يمنح لبنان غطاءً عربياً وقانونياً في أي حراك ديبلوماسي مقبل.
اتصالات خلف الكواليس
لكن خلف الخطاب العلني، يبدو أن اتصالات غير معلنة تدور في الكواليس، فبحسب معلومات مسربة لموقع LebTalks، تلقى لبنان خلال الأشهر الأخيرة عروضاً من جهات دولية للدخول في محادثات مباشرة مع إسرائيل، غير أن الاعتراض الداخلي حال دون قبولها خشية أن تُفسر الخطوة على أنها بداية تطبيع رسمي.
وتضيف المصادر عينها أن تصريحات أميركية مثيرة كانت الشرارة الأولى لإشعال النقاش في بيروت، بعدما كشفت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، أن لبنان وإسرائيل بدآ مساراً ديبلوماسياً مشتركاً عبر ثلاث مجموعات عمل، فبهذه التصريحات أحدثت عاصفة سياسية في الداخل اللبناني، بين من رأى فيها تسريباً خطيراً، ومن تعامل معها بواقعية حذرة.
الحدود البحرية
النقطة الأبرز في الاتصالات القائمة تتعلق بملف ترسيم الحدود البحرية، الذي يعتبره البعض مقدمة ضرورية للاستقرار، فيما يراه آخرون بوابة تطبيع مقنعة، لكن مصادر مواكبة تشير عبر موقعنا إلى أن ثنائي أمل - حزب الله رفض أي محاولة لتوسيع النقاش ليشمل علاقات طبيعية مع إسرائيل، متمسكاً بأن المفاوضات فنية بحتة تتعلق بثروات الغاز في البحر، ولا تمت بصلة إلى مسار سياسي.
مواقف رسمية متباينة
الرئيس عون شدد في أكثر من مناسبة على أن لبنان لن يفاوض على التطبيع، وأن الديبلوماسية هي خيارنا الوحيد لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في الجنوب، أما رئيس الحكومة نواف سلام، فكان أكثر وضوحاً حين قال إن لا أحد في لبنان يريد التطبيع مع إسرائيل، وهذا موقف وطني جامع، داعياً إلى تحرك عربي ودولي للضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها.
الكنيسة ترفض التوقيت
من جهته، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أعلن تأييده للموقف الرسمي الرافض للتطبيع، مؤكداً أن السلام ليس في أوانه الآن، وأن الأولوية هي لترسيم الحدود وتسليم السلاح وضبط القرار الوطني.
هل اقتربنا من السلام فعلاً؟
رغم النفي الرسمي المتكرر، تبدو ملامح نقاش جديد تشق طريقها بهدوء في بيروت، حيث يجري التعامل مع فكرة السلام لا كخيانة وطنية، بل كخيار سياسي مطروح في لحظة انهيار غير مسبوقة.
بالتالي لبنان، البلد الذي كان يوماً ساحة مواجهة مع إسرائيل، قد يجد نفسه فجأة في قلب صفقة سلام جديدة، فهل يكون هذا الانعطاف هو بوابة الإنقاذ أم بداية التفكك؟