لهذه الظروف مجتمعة تشكلت حكومة ميقاتي

لهذه الظروف مجتمعة تشكلت حكومة ميقاتي

جورج أبو صعب

اما وقد تشكلت أخيرا حكومة في لبنان – برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي – ومع انطلاق الأقلام والتحاليل والمواقف من التشكيلة وظروف ولادة تلك الحكومة بين مؤيد ومعارض ومتحفظ – يبقى ان ثمة حقائق يجب ان لا ينساها الراي العام كان لها اليد الطولى في الوصول الى مثل هذه الحكومة .

طبعا ليست افضل حكومة وليست الحكومة التي تستجيب لطموحات اللبنانيين وليست حكومة انقاذ ولا حكومة إصلاحات بالمعنى الواسع للكلمة سيما وان الفترة الزمنية لعمرها لا تتجاوز بضعة اشهر يصعب في خلالها انجاز كافة البرامج الإصلاحية المطروحة علينا من صندوق النقد الدولي – وبالتأكيد انها حكومة الثلث المعطل لرئيس الجمهورية وفريقه وهي حكومة الحد الأدنى لفرملة الانهيار .

بالمقابل يتساءل المراقب والمتابع : لماذا ولدت مثل هذه الحكومة ؟ ولماذا في هذا التوقيت ؟

للإجابة على هذين السؤالين لا بد من استخلاص بعض العبر التي تكشف جزئيا بعض جوانب تلك الإجابة – ونسارع للتأكيد باننا ابعد ما نكون في الدفاع عن الرئيس ماكرون والإدارة الفرنسية بقدر ما نرمي الى اجراء مراجعة نقدية ذاتية أولا .

أولا : تشكلت مثل هذه الحكومة لان اللبنانيين وللأسف فشلوا في تقديم بديل سيادي للمجتمع الدولي – فمنذ لحظة زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لبنان في 5 اب 2020 ولقائه اللبنانيين قالها بوضوح : عليكم بالتغيير ونحن معكم – التغيير يأتي من اللبنانيين لا من الخارج – فاجتمع مع الفرقاء السياسيين في قصر الصنوبر وخرج خائبا بفعل الانقسامات الحادة الافقية والعامودية – ثم راهن على ما سمي في حينه بالثورة فاجتمع الموفدون وعلى راسهم وزير الخارجية لو دريان مع ممثلي الثورة وخرج خائبا لغياب أي تصور موحد واي برنامج واية قيادات – ثم راهن الفرنسيون على السفير اديب لتشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين تكون انقاذية وتبدا الإصلاحات لكنه اديب فشل – ثم راهنوا على الرئيس سعد الحريري في تشكيل مثل هذه الحكومة ولكن الأخير فشل لاسباب يطول الكلام عنها في هذه المقالة – فلم يبقى امام الفرنسي الا معادلة واحدة : التوجه الى القوة المسيطرة على القرار اللبناني – وتلك القوة محور حزب الله – ايران .

ثانيا : ادركت باريس ومعها المجموعة الأوروبية ومن خلفهم واشنطن الديمقراطية – ان القرار اللبناني بيد حزب الله – وقد بقيت باريس على تواصل مع حزب الله – باسم الأوروبيين وبموافقة من إدارة بايدن – التي سلمت ماكرون زمام الملف اللبناني – باعتبار واشنطن منشغلة بالانسحاب من غرب اسيا ولا أولوية لبنانية في اجندتها

( أولويات واشنطن الصين ثم روسيا ثم ايران ثم المناخ ثم باقي الملفات ومنها لبنان )

فكان التواصل المستمر بين باريس والحزب ومن ثم بين باريس وطهران – وهذا التوتصل تكلل بالاتصال الهاتفي الأخير بين ماكرون ورئيسي – حيث اطلقت شرارة الضغوط الدولية الأوروبية والفرنسية بموازاة الضغط الأميركي من اجل تشكيل حكومة وقد وصل الامر الى حد زيارات لموفدين برلمانيين اميركيين في الأسابيع الأخيرة للبحث في ضرورة وجود حكومة .

ثالثا : فشل اللبنانيون في التوحد لإنقاذ انفسهم – وقد بلغ الانقسام حتى البيت المسيحي الواحد – واشتدت الصدامات السياسية في وقت توحد الدروز منذ لقاء خلده على الحد الأدنى وكانت بعبدا تصادر بيدها حصرية او قطبية التمثيل المسيحي في السلطة مدعومة من الحزب – الذي رغم كل تحفظاته على ألنائب جبران باسيل لم يكن بامكانه التخلي عنه وهو الذي استهدف بعقوبات أميركية .

في المقلب الاخر تراجع السنة من خلال تراجع الحريري وتياره السياسي وخروجه من المعادلة الحكومية – والتجائه الى الرئيس نبيه بري الذي التجأ اليه أيضا الوزير وليد جنبلاط لتشكيل اخر خط مواجهة لطموحات فريق الرئيس وصهره فضلا عن نادي روؤساء الحكومة السابقين – الا ان الحزب الذي نجح في عدم اسقاط عون في الشارع وفي السياسة – نجح في فرض وجهة نظره على الفرنسيين وفق المنطق التالي : ان كانت أوروبا وفرنسا يهمهم المسيحي القوي – عليكم بدعم مطالب الرئيس عون الحليف للمحور الإيراني – السوري – وان كان يهمهم مشاركة الحزب وكل الفرقاء اللبنانيين في حكومة جديدة فالحزب جاهز – اما اذا كان يهمهم المواجهة والصدام مع محور المقاومة فامامهم الحديث مع طهران .

رابعا : امام تعثر المفاوضات النووية في فيينا وتوقفها لاكثر من نيف وشهرين الى الان – وبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان – كاشارة انطلاق لبدء انسحاب الاميركيين من المنطقة – باتت الأرضية الإقليمية جاهزة لترتيبات جديدة – وواشنطن الساعية الى الان لاستئناف المفاوضات مع الإيرانيين – كلفت الأوروبيين وعلى راسهم الفرنسيين لاعادة وصل ما انقطع – وقد كان الموضوع النووي في صلي الاتصال بين ماكرون ورئيسي فضلا عن ملفات أخرى منها لبنان .

فالمنطقة دخلت مرحلة عدم استقرار لا بل المجهول ولا بد من شراء الوقت والحد من الخسائر والانهيارات ولا سيما في لبنان – وبما ان الملف اللبناني متفجر وينذر بمضاعفات لن تبقى محصورة بلبنان فحسب – كانت التسوية الجديدة الدولية الإقليمية وتحديدا الفرنسية – الإيرانية – بتشكيل حكومة الحد الأدنى لتمرير الحد الأدنى من الاوكسجين للبنانيين – بانتظار استحقاقات المنطقة ولبنان الدستورية على مسافة اشهر وفرملة الانهيارات الكارثية .

وقد وصل الامر بالتسوية الجديدة حد منح الاميركيين لبنان استثناء من قانون قيصر – ولو تطلب ذلك إعادة تعويم نظام الأسد مؤقتا في دمشق – من اجل تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية اليه .

وهكذا لم تمكن اللبنانيون من تقديم طرح بديل على المجتمع الدولي – لما وصل الامر الى مثل تلك الحكومة – علما ان ادبيات التعاطي الدولي مع الدول تنطلق من الحديث مع المؤسسات الشرعية طالما كانت موجودة – وبما ان الشعب اللبناني لم يتمكن من تغيير حكامه ومسؤوليه رغم ” كلن يعني كلن ” فمن البديهي ان يستمر التعاطي مع السلطة الحاكمة – لان منطق المصالح الدولية يغلب دائما على منطق العواطف والتعاطف والمشاعر – وبغض النظر عما اذا كانت تلك الطبقة الحاكمة فاسدة سارقة ام لا – فهاذا امر يبته اللبنانيون … المنقسمون … فلا يجب ان نتوقع من العالم ان يقوم عنا بما علينا نحن القيام به .

لكل هذه الأسباب مجتمعة ولدت حكومة نجيب ميقاتي في 10/9/2021 .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: