بين النعمة والنقمة.. "Welcome To Lebanon"

235

قد ننظر إلى المطر كخيرٍ وبركة، لكن مع الشتوة الأولى تتغيّر كل النظريات. لماذا؟ لأنه  Welcome To Lebanon، حيث تتحوّل نعمة المطر إلى مصدر قلقٍ وخسائر مادية تطال السيارات والمنازل، وتُعاد معها مشاهد حوادث السير والضحايا، كما حصل في شتوة العام الماضي.

فهل نشهد هذا العام السيناريو نفسه؟ طرقات تغرق، سيارات تعوم، وفوضى تعلن بداية الشتاء؟

صحيح أنّ وزارة الأشغال قامت في الأشهر الماضية بتعبيد عدد من الطرقات الرئيسية، وتحسين إنارتها، وتركيب الفواصل الإسمنتية، ولا سيّما على طريق المطار، ما يعكس جهودًا واضحة لتطوير شبكة الطرقات. لكن، وكما يوضح منسّق أنشطة جمعية "اليازا" في بيروت، سمير سنّو، بحديث لموقع LebTalks فإن ما أُنجز حتى الآن لا يكفي.

فبرأي سنّو، ورغم أهمية هذه الخطوات، إلا أنّ طرقات لبنان اليوم تتطلّب ورشة عمل أعمق بكثير من مجرد ترقيعٍ أو تأهيلٍ سطحيّ. فالمشكلة الحقيقية لا تكمن في طبقة الإسفلت التي تظهر للعين المجرّدة، بل في الأعماق المعطّلة من البنى التحتية التي تآكلت بفعل الإهمال المزمن، ما يجعل أي أمطار غزيرة قادرة على كشف هشاشة الطرقات وغرقها من جديد.

وبين ما تحاول الوزارة تحسينه، وما تحتاجه الطرق فعليًا، لم تصمد هذه الإجراءات أمام أول اختبار جدي في موسم الشتاء، حيث طافت الطرقات وغرقت السيارات في مناطق عدة في بيروت، مثل عين المريسة، منطقة المريجة في الضاحية الجنوبية، طريق المطار التي اختنقت بالنفايات.

وبحسب سنّو، فإنّ مسؤولية ما نشهده على طرقات لبنان لا تقع على عاتق الدولة وحدها، ولا يمكن اختزالها فقط بواجبات الوزارات والأجهزة المعنية. فالمسؤولية الأكبر، كما يؤكد، تقع أيضًا على عهدة المواطن اللبناني نفسه. فمهما وُضعت من خطط وصودق على مشاريع، ستبقى غير مجدية إذا استمرّ البعض في رمي النفايات عشوائيًا على الطرقات وفي المجاري، ما يؤدي إلى انسدادها وتحوّل الأمطار إلى سيول مفاجئة، كما حدث على طريق المطار منذ بضعة أيام.

ويشدّد سنّو على ضرورة تعزيز الوعي لدى المواطنين حول خطورة هذه السلوكيات التي تتسبب كل عام بفوضى السير، وارتفاع معدلات الحوادث، وتلف الممتلكات. كما يدعو إلى احترام قوانين السير والبيئة وتطبيقها بصرامة، لأن أي خطة إنقاذ للطرقات تبقى ناقصة إذا لم يلتزم الشعب بدوره في الحفاظ على ما تبقى من البنى التحتية.

وانطلاقًا من حجم حوادث السير، وعدد الضحايا، والخسائر المادية المتكرّرة كل عام، يشير سنّو إلى أنّ العامل الشخصي والإهمال الشعبي يُعدّان السبب الأول للحوادث في لبنان، وفق ما أثبتت الدراسات. فالاستهتار بقواعد القيادة، والسرعة الزائدة، وعدم صيانة السيارات، إضافة الى انعدام الانارة في بعض الطرقات وعاكسات النور والفواصل الاسمنتية وغيرها... كلها عوامل تجعل الطرقات أكثر خطورة، خصوصًا عند أول هطول للأمطار.

يُضيف سنّو أن معدل الوفيات الناتجة عن حوادث السير في الشتاء بسبب رداءة الطرقات وغياب الصيانة الوقائية يُعتبر من الأعلى مقارنة بدول المنطقة. فمزج الإهمال الشعبي مع بنى تحتية متآكلة يخلق بيئة خطيرة، تتحوّل فيها كل شتوة إلى اختبار قاسٍ لحياة الناس وممتلكاتهم.

وبحسب سنّو، فإن معالجة هذا الواقع لا يمكن أن تتم من خلال إصلاح الطرقات فقط، بل يجب أن تترافق مع تغيير سلوكيات السائقين وتعزيز ثقافة السلامة المرورية قبل حلول موسم الشتاء.

وفي ظل هذا المشهد المتكرر كل عام، يجد اللبناني نفسه أمام معادلة حتمية: طرقات غير مهيّأة، ومواطنون غير ملتزمين، ودولة عاجزة عن مواكبة حجم التحديات.

وبين هذه العوامل الثلاثة، تصبح الشتوة الأولى بمثابة جرس إنذار يكشف هشاشة الواقع، وتبقى الطرقات قنبلة موقوتة طيلة فصل الشتاء، وتفضح غياب التخطيط المسبق، ويتظهر كيف أن أبسط العوامل كغيمة عابرة قادرة على شلّ حركة بلد بأكمله. ولذلك، فإن أي حلّ فعلي يحتاج إلى رؤية مشتركة، يتعاون فيها المواطن مع الدولة بدل أن يتبادل الطرفان الاتهامات عند كل موجة مطر.

وفي النهاية، يبقى السؤال: هل سنظلّ نعيش تحت رحمة أول شتوة، نعدّ الخسائر ونلوم الدولة؟ أم أنّ موسم الأمطار سيصبح فعلاً موسم الخير والبركة؟

الشتاء آتٍ، لكن شكل هذا الشتاء يمكن ان يُصاغ اليوم، عبر قرار دولةٍ تتحمّل مسؤولياتها، وشعبٍ يعي دوره، وخططٍ تُنفَّذ بدل أن تُعلَّق على الرفوف.

فربما، إذا طبقت النظريات والاقوال، تتحوّل شتوة لبنان من نقمة إلى نعمة، وتصبح الأمطار بداية موسم حياة، لا موسم يضيف على سجل الازمات أزمة جديدة موسمية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: