انها الرابعة وعشر دقائق من بعد ظهر الرابع عشر من ايلول 1982 ، اليوم الذي قضى على احلام اللبنانيّين، بدولة حرّة مستقلة تحوي كل مفردات السيادة. كم هو صعب إستذكار تلك اللحظة الصعبة، التي إستشهد فيها الرئيس بشبر الجميّل، وهو يودّع رفاقه في البيت الاحبّ الى قلبه، في الاشرفية حيث البداية، بداية البشير، أتى في ذلك اليوم ليقول لرفاقه:” سنكون كلنا ومن كل المناطق والطوائف تحت لواء لبنان اولاً “، ذلك الشعار الذي دافع عنه بشير حتى الرمق الاخير.
اليوم وفي الذكرى التاسعة والثلاثين لغيابك الجسدي، لانك باق في القلوب والضمائر، نحتاجك اكثر من اي وقت مضى، ونحّن الى خطاباتك التي تتعايش مع زمننا هذا، وكأنك كنت تقرأ مستقبل لبنان المخيف والمشتت، لذا كنت الخائف الاكبر عليه، وحذرت مراراً من عدم ضياعه وضياع دماء الشهداء هدراً.
ماذا نقول لك بعد كل تلك السنوات؟، ربما لم نكن على قدر المسؤولية كشعب، ربما لم ندرك تماماً كيفية الحفاظ على وصاياك الوطنية، التي ُطبقت وعايشناها حين كنت قائداً، ومن ثم رئيساً صنع دولة خلال واحد وعشرين يوماً، فجمع من حوله كل طوائف لبنان، التي أمّت داره مرحّبة بالرئيس الجامع.
مع بشير لا مساومة على المبادئ الوطنية، لكن أين نحن من تلك المبادئ؟، ماذا نخبرك عن لبنان الوطن الذي لم نتوحّد حوله، فبات دولة متخاذلة ومستسلمة ندفع ثمنها كل يوم، ونعيش زمن التسويات والصفقات والفساد والسرقات من خلال منظومة حاكمة، تغيب عبرها ابسط حقوقنا كمواطنين، ولبنان الوطن الذي تركته قوياً ومعافى، اصبح مشلّعاً منقسماً ومحكوماً من دويلة السلاح، والوطن الذي إستشهدت من اجله مع الآف الشهداء، بات معقلاً لهجرة ابنائه الباحثين عن ملاذ آمن، وعن العنفوان والكرامة المفقودين منذ إستشهادك…
اليوم وكل يوم نسأل عن بشير ذلك القائد والرئيس، الذي لم يجد لبنان مثيلاً له، فنعود ونجدّد الامل ونقول:” في 14 أيلول اعتقدوا أنهم سرقوا انتصارنا وقتلوا فينا الامل، لكن ومهما تآمروا علينا لنيأس ونساوم ونحبط ، ستبقى كلمات الرئيس تصدع في اذهاننا كي لا نغلط ، ولا بدّ للفجر ان ينجلي يوماً، وان يتحقق ما كان يصبو اليه بشير”.
لنستعيد بفخر خطابات ذلك البطل، الذي اطلق مواقف العز ، فخافوه حتى في مماته، كيف لا ؟، فالابطال يبقون في الذاكرة حتى ولو إستشهدوا ، لا بل إستشهادهم يزيدهم بقاءً في القلوب والضمائر.