لا يشبه عيد ميلاد فيروز أي عيد آخر. فحين يحلّ يومها، لا نعدّ السنوات ولا نراقب الزمن، بل نفتح نافذة صغيرة في القلب يدخل منها صوتٌ صنع تاريخاً من الضوء، وترك في أرواحنا مساحة لا يطالها العتم.
عيد فيروز ليس مناسبة رقمية، بل حالة. يومٌ تتبدّل فيه ملامح الصباح، وتتحوّل فيه الذاكرة إلى بلدٍ آخر، أقلّ وجعاً وأكثر شبهاً بالأغاني التي ربّت أجيالاً على الحنين.
امرأة هادئة.. تهزّ العالم بصوتها
فيروز ليست أسطورة لأنها غنّت فقط. هي أسطورة لأنها لم تصرخ يوماً رغم أن العالم صرخ حولها. بقيت هادئة، ثابتة، كجبل يختزن المطر وينثره على الناس أغنيةً بعد أخرى.
91 عاماً تمضي ولا تزال تلك المرأة الرقيقة قادرة على لمس ما لا يُلمس: الروح، الخوف، الطفولة، الحب الذي فقدناه، والبلد الذي نحمله في جيوبنا كذكرى، لا كواقع.
لبنان… الصدى الذي لا ينقطع
كل عيد لها، يشعر اللبناني بأن هناك شيئاً من الوطن يعود ليقف على قدميه.
ليس لأن الأزمات تتراجع، بل لأن صوت فيروز يعيد ترتيب الفوضى في داخلنا. يجعلنا نرى لبنان كما يجب أن يكون، لا كما أصبح.
كيف لامرأة واحدة أن تحوّل الحنين إلى بيت؟
كيف يمكن لأغنية أن تُشعر شعباً كاملاً بأنهم لا يزالوا متصلين، رغم كل ما قطعهم عن بعض؟
هذا سرّ فيروز… أنها قالت للبنان ما لم يقله أحد:
"أنا بحبّك يا لبنان، يا وطني بحبّك"،
وقالتها بصدق جعل الجميع يصدّقون للحظة أنّ الوطن قد يسمع.
91 عاماً.. ولا يزال الحنين شاباً
عمرها أصبح كبيراً، نعم.
لكن ما يدهشنا أنّ أغنياتها لم تشِخ يوماً، وأن الناس حين يسمعونها، يعودون كما هم، not older, but purer.
فيروز لا تعيش في عمرها، بل في عمرنا نحن. في اللحظات التي ينكسر فيها القلب، وفي تلك التي نحتاج فيها إلى شيء يشبه المعجزة ليعيد لملمتنا.
في النهاية…
عيد ميلاد فيروز ليس عيداً لمطربة، إنه عيد للذاكرة، للحبّ الذي لم نعرف كيف نحتفظ به، وللبلد الذي نكاد ننساه فيُعيد صوتها تذكيرنا بأننا ننتمي إليه مهما ابتعدنا.
وكلما أتى هذا اليوم، يخطر لنا سؤال واحد:
من يحتفل بمن؟
نحن نحتفل بفيروز… أم هي التي تهدينا عيداً صغيراً من دون أن تقصد، وتُعيد ترتيب أرواحنا قبل أن يمرّ اليوم؟
عيدك سلام يا فيروز… سلامٌ يليق بمن علّمنا أن الوطن يمكن أن يكون أغنية، وأننا، رغم كل شيء، ما زلنا نحبّ.