شهدت زينة وسط بيروت لهذا العام موجة انتقادات واسعة، لم تكن مرتبطة فقط بالذوق أو الشكل، بل بما تعبّر عنه في مدينة حساسة للرموز والهوية. فالعاصفة التي اندلعت حولها كشفت مرة جديدة كيف يمكن لتفصيل بصري صغير أن يتحول إلى مرآة للانقسام السياسي والطائفي في لبنان.
الزخرفات التي ظهرت هذا العام حملت طابعاً أقرب إلى الاحتفالات الهندية أو الآسيوية، مع ألوان قوية وزخارف دقيقة وأقواس مضاءة بكثافة. بالنسبة لكثيرين، هذا المشهد بدا خارج سياق أي مناسبة لبنانية، لا هو ميلادي، ولا رمضاني، ولا مرتبط بعادات أهل المدينة.
هذا الالتباس لم يمر مرور الكرام، خصوصاً في منطقة تُعتبر رمزاً سياسياً واجتماعياً لطوائف متعددة، ولكل منها حساسيتها الخاصة تجاه رموز الأعياد.
عادةً، يشهد وسط بيروت زينة ميلادية كلاسيكية، أشجار ضخمة، ألوان دافئة، نجوم ومغائر، وغياب هذا الطابع فُهم عند جزء من الجمهور كمحاولة لـ"تخفيف" الرموز المسيحية، أو استبدالها بزخارف لا تمتّ للعيد بصلة.
هذا الشعور تضاعف لدى البعض بسبب السجالات المستمرّة حول هوية وسط بيروت، هل لا يزال مساحة مشتركة ومحايدة؟ أم باتت كل خطوة فيه محسوبة سياسياً وطائفياً؟
في المقابل، حتى الأشخاص الذين اعتقدوا أن الزينة تحمل طابعاً شرقياً أو إسلامياً، لاحظوا غياب الهلال والفوانيس وسائر الرموز الرمضانية.
أي أن الهوية الدينية مختفية من الجهتين، وكأن الزينة "معلّقة" في فراغ ثقافي. هذا الفراغ هو الذي ولّد الانزعاج، وفي بلد يعيش على التفاصيل الرمزية، عدم الانتماء لأي مناسبة يعني بالنسبة للبعض ضرباً لهوية المكان.
بحسب ما يظهر من التصميم، يبدو أنّ الشركة اعتمدت أسلوب Luminarie الإيطالي، ممزوجاً بلمسات شرقية. لكن بالنسبة للبنانيين، النتيجة بدت مستوردة بالكامل، لا تشبه المدينة ولا ناسها، ولا تعبّر عن أي عيد يحتفلون به.
وراء النقاش الجمالي، يكمن توتر أعمق، البعض رأى أن غياب الرموز المسيحية في منطقة كانت يوماً قلب الاحتفالات الميلادية محاولة لتغيير "هوية" المكان.
بالمقابل، رأى آخرون أن أي اعتراض على الشكل الجديد هو تمسك مبالغ به بـ"خصوصية" دينية، في وقت يفترض أن يكون الوسط التجاري مساحة جامعة.
وبين هذين الموقفين، ظهر الجدل الطائفي المعتاد، من يملك الحق في تحديد شكل الزينة؟ ومن يقرر هوية وسط بيروت؟ وهل نحن أمام نقاش حضاري، أم نزاع مقنّع حول النفوذ الرمزي في العاصمة؟
القضية ليست في الألوان ولا الأقواس، القضية في الرسالة، وبيروت مدينة مثقلة بالهويات، وكل تفصيل فيها محمّل بمعنى.
وحين تأتي زينة عيد لا تشبه العيد، في منطقة تعتبر مركزية في التوازن الطائفي والسياسي، يصبح الجدل حتمياً، فالناس لا ترفض الحداثة أو التنويع، لكنها ترفض أن تشعر بأن ما تراه مفروض عليها، أو أنه يلغي رموزها، أو يطمس هوية مدينة لم تتفق طوائفها يوماً على شكلها النهائي.
وسط بيروت ليس شارعاً، إنه مساحة صراع على الرمزية، وزينة هذا العام لم تكن سوى الشرارة التي أعادت إشعال نقاش أعمق بكثير من الأضواء والألوان.