ثلاثة أيام كشفت قدرات لبنان.. فهل يستحق الحرب؟

pope

شكّلت زيارة البابا إلى لبنان لحظة استثنائية في تاريخ البلاد، ليس فقط لما تحمله من بُعد روحي ورسالة سلام، بل لما كشفته من قدرة اللبنانيين، دولةً وشعباً، على استعادة صورتهم الأجمل حين تتوحّد الإرادات. ثلاثة أيام كانت كفيلة بأن تذكّر العالم ولبنان نفسه بأن هذا الوطن، رغم نزيف أزماته، ما زال قادراً على أن ينهض، وأن يقدّم نموذجاً مغايراً عمّا تصدّره الأخبار اليومية من توتر وانهيار.

لقد بدا واضحاً منذ اللحظة الأولى أنّ الدولة اللبنانية قررت أن تتعامل مع الزيارة باعتبارها حدثاً وطنياً من الطراز الرفيع. فالتنظيم لم يكن مجرد ترتيبات لوجستية، بل كان فعلاً واعياً ينطوي على احترام لضيفٍ يشكّل حضوره على أرض لبنان لحظة نادرة في تاريخ الشعوب. لذلك ظهر كل تفصيل، بدءاً من طريقة استقبال الوفد الفاتيكاني في المطار، إلى دقة المواعيد والانضباط الأمني، إلى انسيابية الانتقال بين المحطات والاحتفالات واللقاءات، وكأنه رسالة تقول إن لبنان، على الرغم من جراحه العميقة، ما زال يملك القدرة على أن يقدّم صورة مشرقة حين تتضافر الجهود وتتوحّد الإرادات.

المشهد الشعبي لم يكن أقلّ حضوراً أو أهمية. فقد انهمرت الحشود من مختلف المناطق والطوائف، غير آبهة بالطقس أو التعب، لتُجسّد وحدة وطنية صادقة. بدا الناس وكأنهم يعيشون لحظة تنفّس جماعية، يتقاسمون فيها الأمل نفسه والرغبة نفسها بأن يكون الغد أفضل. وعلى امتداد ثلاثة أيام، غاب الخطاب الانقسامي، وتراجع صوت التوتر، وحلّ مكانهما صوت واحد: صوت الفرح. هكذا عاش اللبنانيون تجربة نادرة، رأوا فيها ما يمكن أن يكون عليه وطنهم لو تخلّوا عن صراعات السياسة وتناقضات المصالح.

وما كان لافتاً أيضاً هو أنّ التنظيم لم يأتِ من فراغ، بل حمل في طياته روحاً جماعية مشتركة بين أجهزة الدولة والبلديات والمؤسسات المدنية والمتطوعين. هذا التعاون الواسع أعاد إحياء تلك الفكرة القديمة الجديدة: أنّ لبنان حين يريد، يستطيع. وحين تتخطى إرادته الفُرقة، ينبثق منه البلد الذي عشقناه في صورته الثقافية والحضارية والإنسانية.

لكن ربما أكثر ما يثير الأسى هو المقارنة التي فرضت نفسها على كثيرين: كيف يمكن لبلدٍ ينجح في تقديم هذه الصورة البيضاء، الرصينة والمنظمة، أن يعود بعد أيام أو أسابيع إلى دائرة الخوف من حرب أو توتر؟ كيف يمكن لوطنٍ أثبت خلال ثلاثة أيام أنه قادر على إدارة حدث دولي بلياقة واحترام وبهاء، أن يُهدَّد مجدداً بظلام العنف؟

إنّ الجمال الذي ظهر خلال زيارة البابا لم يكن وهماً ولا مجاملة عابرة، بل كان انعكاساً حقيقياً للبنان حين يُتاح له أن يكون نفسه. لذلك يشعر كثيرون بأن الحرب لو حدثت  ستكون ظلماً فادحاً لهذا البلد ولأبنائه، الذين أثبتوا أنّهم يستحقون شيئاً آخر غير الخراب. لقد قال لبنان في تلك الأيام الثلاثة ما لم تقله السياسة منذ سنوات: إنّ السلام ليس حلماً بعيداً، بل خيار يمكن أن يصبح واقعاً متى اجتمعت الإرادات على حماية هذا الوطن.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: