زراعة أسنان بفضل الذكاء الاصطناعي؟

554

لم تعد زراعة الأسنان اليوم مهنة قائمة على التخمين كما كانت في الماضي، حيث كان نجاح العملية يعتمد بدرجة كبيرة على خبرة الطبيب وحدسه في التعامل مع اختلافات الفكين وتعقيداتهما التشريحية.

فقد دخل الذكاء الاصطناعي هذا المجال بقوة، ليحوّل التخطيط العلاجي من توقعات مرنة إلى حسابات رقمية دقيقة تستند إلى تحليل بيانات متكامل.

بفضل تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد والخوارزميات المتقدمة، بات بالإمكان إنشاء خرائط رقمية تفصيلية لعظام الفك ومسارات الأعصاب والمناطق الحيوية، مما يتيح تحديد الموقع الأمثل للزرعة قبل البدء بأي تدخل جراحي.

هذا التحول نقل الممارسة من "الطب المعتمد على الحدس" إلى "طب مبرمج بالدقة"، حيث تُقاس كل خطوة بمليمترات محسوبة.

ولم تقتصر النقلة على الأطباء فحسب، بل شملت أيضاً المرضى الذين أصبحوا جزءاً من رحلة العلاج.

فالمحاكاة الرقمية والنماذج الافتراضية تمنح المريض فرصة مشاهدة ابتسامته النهائية قبل التنفيذ، ما يعزز الفهم والثقة ويحوّل القرار العلاجي إلى شراكة واعية بين المريض وطبيبه.

ورغم التقدم التقني الهائل، يظل للطبيب الدور الحاسم. فالذكاء الاصطناعي يزوّده بأدوات تحليل أسرع وأكثر دقة، لكنه لا يستطيع اتخاذ القرار الأخلاقي والمهني الذي يستند إلى التجربة والمسؤولية الإنسانية.

هنا تبرز قيمة التوازن بين العقل الحسابي والضمير الطبي.

ومع ذلك، يواجه هذا التوجّه تحديات تتعلق بضرورة تدريب الكوادر على استخدام الأنظمة الرقمية وحماية بيانات المرضى وفق معايير صارمة. كما يتطلب التطور تكييف المناهج الأكاديمية مع واقع الطب الرقمي الحديث.

في السعودية، يسير هذا المجال بخطى متقدمة ضمن رؤية 2030. فقد بدأت عيادات ومؤسسات أكاديمية، مثل كلية طب الأسنان بجامعة الملك سعود، بتبني حلول الذكاء الاصطناعي في التخطيط الجراحي والتدريب الرقمي، مما يعزز مكانة المملكة كمركز إقليمي رائد في التقنيات الصحية الحديثة.

أما المستقبل فيحمل آفاقاً أكثر تطوراً، مع السعي نحو زرعات شخصية تُصمم وفق الخصائص الجينية والبيولوجية لكل فرد، إضافة إلى التوجّه نحو جلسات علاجية أسرع بفضل الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد.

وفي النهاية، يبقى الهدف واحداً: طب أسنان أكثر دقة… وأكثر إنسانية. فحين تلتقي التكنولوجيا بالرحمة، تصبح الابتسامة نتاج علم متطور وروح مهنة لا تستغني عن اللمسة الإنسانية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: