بعد توقيع اتفاق السابع عشر من أيار في العام 1983، أي بعد الإجتياح الاسرائيلي مباشرة تعالت في لبنان أصوات التخوين والإتهامات بالعمالة وسوى ذلك ربطاً بتوقيع هذا الإتفاق، ولكن التاريخ ينصف موقعيه وتلك الحقبة التي وُقّع فيها الاتفاق في عهد الرئيس أمين الجميل يوم كان رئيساً للجمهورية، وعندما كان كامل الأسعد رئيساً لمجلس النواب وشفيق الوزان رئيساً للحكومة من دون اغفال أن هذا الاتفاق جاء بعد صولات وجولات للمبعوث الأميركي الشهير يومها السفير فيليب حبيب، وهو من أصل لبناني وكان مبعوثاً من قبل الرئيس الأميركي حينها رونالد ريغان.
لقد سنحت لي الفرصة في بداية التسعينيات أن التقيت بالرئيس الراحل شفيق الوزان، ويومها كانت لي سلسلة حلقات عن المراحل التي واكبت ظروف ولادة اتفاق السابع عشر من أيار، وعندما التقيته كان حزيناً بسبب الاتهامات التي وُجّهت آنذاك لحكومته وله شخصياً وللرئيسين الجميل والأسعد، الا أن الرئيس الوزان "الآدمي والمثقف والوطني والعروبي"، قال لي: سينصفنا التاريخ لأن هذا الاتفاق لن يؤدي للتنازل عن سيادة لبنان، وجاء في ظروف صعبة وبعد الاجتياح، وبالتالي هذه الاتهامات لا سيما لرئيس الوفد أنطوان فتال ولزملائه انما هي سياسية واتهامات باطلة، فنحن لم نُفرّط بشبراً واحداً من تراب هذا البلد، لا بل سنستعيد السيادة وسيكون هناك سلام شامل وعادل ولم ندخل بالتطبيع على الاطلاق، انما وقّعنا اتفاقاً لوقف الحرب والسلام وهو بمثابة اتفاق هدنة، والرئيس الجميل حريص على هذه المسائل لأنه يُدرك جيداً أن هناك أعداداً هائلة من المسيحيين في الخليج، ولا يفرط بهم ولا يسيئ للعلاقة الايجابية التي تربطه بدول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية التي زارها أكثر من مرة وكنت برفقته، وهم يدركون صعوبة الوضع في لبنان يومها، كل هذا الكلام كان للرئيس الوزان أمامي شخصياً.
من هذا المنطلق، فالتاريخ لا يرحم، التاريخ يُنصف الرجال وخصوصاً أصحاب الباع الطويل في الوطنية والسيادة والنبل، ما ينطبق على الرؤساء الثلاثة الجميّل والوزان والأسعد، وكذلك على رئيس الوفد المفاوض أنطوان فتال.
من هنا، ومع انطلاق المفاوضات في لبنان ضمن لجنة الميكانيزم برئاسة السفير سيمون كرم، فالسؤال المطروح ماذا سيقول البعض وتحديداً حزب الله وجمهوره وما تبقّى من الممانعة؟ هل سيتهمون السفير كرم بالعمالة كما كانت الحال أيام عهد الرئيس أمين الجميل؟ خصوصاً أن الجميع بدأ يترحم على اتفاق السابع عشر من أيار، اذ لو لم يُلغَ هذا الاتفاق بأوامر مباشرة من الرئيس السوري حافظ الأسد لحلفائه في لبنان لبقي وطن الأرز ورقة بيد الأسد وسوريا، لكنّا منذ ذاك الوقت ننعم بالأمن والسلام والاستقرار، هي الحقيقة دامغة وهذا ما نقلته عن الرئيس الوزان، ما يعني أن هذا الاتفاق كان سيادياً وطنياً ولم يفرّط بالحقوق اللبنانية، واليوم نحن أمام مرحلة جديدة، فهل يُسمح أن نوقّع اتفاقاً أو تسوية مع اسرائيل، والا سنستمر في الحروب والأزمات والمآسي الى ما شاء الله.