كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:
أحدثت "حرب الإسناد" الأخيرة جروحًا في جسم "حزب الله" المتهالك. ومهما حاول إخفاء حجم الأضرار، إلا أن الوقائع تكشف العكس، وبات "الحزب" بحاجة إلى أي حدث لرفع معنويات جمهوره.
خسر "حزب الله" هذه المعركة، ويتجه إلى خسارة المعركة الكبرى. لم تنجح كل محاولات إيران لبث الروح في جسده المتعب، ولم تنفع خطابات السقوف العالية في إثبات أنه ليس بالقوة التي حاول الظهور بها. سقطت أسطورة "الحزب" التي رسمها وساهم الإعلام الإسرائيلي في تعزيزها، ودخل لبنان مرحلة جديدة من تاريخه.
أحد أهم اسباب فشل "حزب الله" هو استناده إلى ما كان يُكتب ويُذاع في إعلام العدو، كما يسميه، ليبني استراتيجيته ويسجّل نقاطًا لصالحه. معظم خطابات الأمين العام الراحل السيّد حسن نصرالله كان يستشهد فيها بما قاله الإعلام الإسرائيلي، من إظهار قوّة "حزب الله"، إلى الحديث عن عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على خوض الحرب، وصولًا إلى الكلام عن خوف الجنود الإسرائيليين من خوض حرب ضد عناصر "الحزب".
سقط نصرالله وقيادة "الحزب" في فخ إسرائيل، تل أبيب اعتمدت سياسة تكبير حجم "حزب الله" لإظهار خطره على المجتمع الإسرائيلي ولتأمين أكبر تعاطف دولي معها، ومن جهة ثانية، جعلت "الحزب" يظن أنه أقوى منها بأشواط وقادر على هزيمتها، إلى أن حلّت المصيبة الكبيرة: تفجيرات البيجر، ضرب مخازن الصواريخ والأسلحة خلال أيام، واغتيال نصرالله والقادة، لقد سقط "حزب الله" عمليًا خلال أسبوع.
لم يتعلّم "حزب الله" من دروس الماضي، بل عاد وغرق في سياسة إسرائيل والبروباغندا الإعلامية التي تروّج لها. ودخل مصطلح ترميم القوّة على الخطّ واحتل الصدارة. تل أبيب تريد استكمال حربها، و "حزب الله" يمنحها الذريعة بتأكيده استعادة قوّته.
يستطيع "حزب الله" خداع جمهوره عبر التأكيد لهم أنه تعافى واسترجع قوته، ويروّج لتقارير إسرائيلية من أجل إقناعه بهذا الأمر تحت عنوان "أنظروا إسرائيل تعترف بترميم قوتنا"، لكن الحقيقة مغايرة تمامًا للواقع، وذلك حسب معطيات أمنية على الأرض.
تحتاج مهمة ترميم أي حزب أو قوة عسكرية إلى عناصر مالية وعسكرية. من ناحية المال، ووسط الحديث عن إدخال نحو مليار دولار من إيران إلى "حزب الله"، يبدو حسب الخبراء والمطلعين أن هذا الرقم مضخم إلى أقصى حدود، فأولًا إيران تعاني من ضائقة اقتصادية كبيرة وهي تحتاج الدعم لا العكس، أمّا طريقة إدخال الأموال فصعبة ومعقدة للغاية، فحتى مطار بيروت بات مقفلًا أمام الطائرات الإيرانية، وإذا نجح أحدهم في إدخال شنطة بالحيلة، فهذا المبلغ غير قادر على ترميم قوّة عسكرية. وإذا دخل مليار دولار فعلًا، فلماذا لم يصل إلى جمهور "الحزب" شيء أقلّه للمتضررين. فالأموال التي تصل إلى "حزب الله" فرديّة. وكلفة إرسال أي مواطن من لبنان إلى أوروبا مثلًا أو أفريقيا لجلب 10 آلاف دولار يُسمح بها، تعني خسارة نصف المبلغ، وكذلك هناك تدقيق كبير في الداخلين والخارجين من وإلى أوروبا.
ويعتبر الشق العسكري أصعب بكثير. فلا يمكن لـ "حزب الله" استخدام مطار بيروت، وأقفل مرفأ بيروت بوجهه، وكان سقوط نظام الأسد ضربة قاضية له، فعن أي طريق سيهرّب السلاح؟ أما بالنسبة إلى تهريب السلاح الفردي، فهذا قائم منذ زمن، وهذا لا يمنح قوّة لمواجهة إسرائيل، والسلاح الفردي يدخل في صلب عمل العصابات وليس لمواجهة دولة متقدمة مثل إسرائيل.
خسر "حزب الله" سوريا وضعفت إيران، ومصادر التمويل من الكبتاغون والمخدرات سقطت بسقوط الأسد وتشدُّد السلطات اللبنانية. وخروج "حزب الله" من جنوب الليطاني يعني أن وظيفة سلاحه انتهت، وكل شيء في لبنان يخضع للمراقبة الإسرائيلية، وأي مخزن سلاح أو شاحنة تقصف. والعملاء يخرقون "الحزب"، وبالتالي الوقائع تفضح زيف ادعاءات "الحزب" وترميم القوّة في الأحلام فقط.