حوار لملتقى التأثير.. وتأكيد الكيانية اللبنانية

cih

تابع "ملتقى التأثير المدني" قبل ظهر اليوم مسار" الحوارات الصباحية" الشهرية بعقد اللقاء السابع عشر في فندق جفينور – روتانا في الحمرا، بعنوان: "لبنان دولة المواطنة: الكيانية اللبنانية في ماهيتها". وشارك في اللقاء نخبة من الشخصيات الأكاديمية، والإدارية، والقانونية، والدستورية، والثقافية، والفكرية، إضافة إلى قضاة وضباط متقاعدين وإعلاميات وإعلاميين وناشطات وناشطين في المجتمع المدني، فضلاً عن رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية والمدير التنفيذي للملتقى.

في بداية اللقاء، الذي قدمته الإعلامية أوغيت سلامة ونُقل مباشرة على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، تلاه وثائقي تعريفي عن "ملتقى التأثير المدني"، ثم وثائقي عرض للقاء السادس عشر الذي عقد تحت عنوان: "لبنان دولة المواطنة: آفاق الذكاء الاصطناعي".

كلمة نائب رئيس الملتقى عبد السلام حاسبيني

قال عبد السلام حاسبيني: "لبنان يعايش مرحلة تاريخية لا بد من أن يستعيد فيها ماهية كيانيته من خلال استكمال بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وتطبيق مندرجات اتفاق الطائف بكامل البنود الإصلاحية، وتفعيل مسار تصويب السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية. كل ما سبق يؤسس لقيام دولة المواطنة السيدة الحرة العادلة المستقلة. هذه المرحلة المفصلية تتطلب منا جميعًا أقصى درجات الحكمة وأعلى مستويات الالتزام بحماية الصيغة والميثاق مع تنقية شوائب السلوك السياسي من الفساد والإفساد والانتماءات الضيقة، ومع رديفها العابرة للحدود".

أضاف: "ما نحن بصدده في لقائنا الحواري السابع عشر يضيء على إشكالية دقيقة تتعلق بارتباط ماهية الكيانية اللبنانية بالحرية والتنوع والعدالة والسلام والحوار، بفكرة لبنان الحضارية، التي تعرضت للتشويه والالتباس على مدى الأربعين عامًا الماضية. لا دولة دون سيادة واحدة، وسلطة واحدة، وقرار واحد، وجيش واحد، ولا كيان دون دولة. هنا بيت القصيد الذي يشكل مدخلاً لتثبيت الدولة في وظائفها الأساسية في حماية الشعب اللبناني على كل المستويات، والالتزام بمقتضيات أمن لبنان القومي. يؤكد هذا اللقاء استمرار نضالنا من أجل قيام الدولة في لبنان بعيدًا عن منطق اللادولة، وأن يسترجع لبنان هويته الحضارية كفاعل سلام وعدالة ونموذج لثقافة الحياة. قضيتنا كانت وما تزال دائمًا: لبنان والإنسان".

كلمة ميسرة الحوار دنيز رحمة فخري

استهلت دنيز رحمة فخري كلمتها بالقول: "السؤال المطروح اليوم لم يعد تقنيًا أو إصلاحيًا أو سياسيًا فحسب، بل بات سؤالًا تأسيسيًا: ما هي الكيانية اللبنانية؟ وكيف يمكن لها أن تشكل إطارًا جامعًا لدولة مواطنة سيدة، في ظل التجاذبات التي يواجهها لبنان مع التحولات الجيوسياسية في الإقليم والعالم؟ تظهر المقاربات التاريخية والسياسية أن الكيانية اللبنانية لم تكن يومًا مجرد حدود جغرافية أو كيان إداري، بل تشكلت عبر مسار طويل من التفاعل بين هويات دينية وثقافية متعددة، وبين انتماء عربي وخصوصية لبنانية، ما جعلها كيانا غنيًا في تركيبته، لكنه هش في انتظامه السياسي. هذا التعقيد البنيوي يضعنا أمام الإشكالية الأولى: هل الكيانية اللبنانية معطى مكتمل يمكن الارتكاز إليه، أم مسار تاريخي غير منجز ما زال يبحث عن صيغة استقرار؟"

أضافت: "تبرز إشكالية العلاقة بين الكيانية والدولة. قيام دولة لبنان الكبير عام 1920 أسس لكيان متعدد الطوائف، دون أن ينجح لاحقًا في بلورة دولة مواطنة جامعة. النظام الطائفي، الذي أريد له أن يكون آلية لحماية التنوع، تحول تدريجيًا إلى بنية محاصصة تقدم الولاءات الطائفية على الانتماء الوطني، وتنتج ازدواجية مزمنة بين الدولة والمؤسسات من جهة، والمجتمع الطائفي من جهة أخرى. كما أن الصراعات الإقليمية والتدخلات الخارجية أسهمت في إعادة إنتاج الانقسامات الداخلية وإضعاف السيادة الوطنية".

وتابعت: "أما الإشكالية الأخيرة، فتتعلق بالراهن اللبناني وديناميات التغيير فيه. الأزمات المتلاحقة كشفت حدود النموذج القائم، وفتحت نافذة على أدوار جديدة للمجتمع المدني، والشباب، والإعلام، الذين يطرحون إمكانية إعادة إنتاج هوية وطنية مدنية تتجاوز الاصطفافات الطائفية، وتعيد الاعتبار لمفاهيم المواطنة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون".

وختمت: "يندرج هذا الحوار في صلب السؤال الدائم: كيف نعيد وصل الكيانية بالمواطنة، والخصوصية بالدولة، والتنوع بالسيادة، بما يسمح للبنان أن يستعيد دوره كدولة، لا كمجرد كيان معلق على فائض تاريخ ومعنى؟"

ورقة عمل وجيه قانصو

قال وجيه قانصو: "بين الكيانية اللبنانية ودولة المواطنة مسافة بين النشأة والتحقق، بين التعالي (Transcendence) والتاريخي، بين الكامن والفعلي، بين الخفي والمحسوس. الكيانية حقيقة وجود وفائض معنى وعزيمة بقاء، ودولة المواطنة أطر علاقة ونظام قيم. الكيانية روح متدفقة في مجرى الزمن، ودولة المواطنة ابتكار عقل وإبداع واقع. لبنان ليس صدفة عابرة أو خطأ سياسيًا، بل انبثاق في التاريخ، ولدته عوامل طبيعية وحتمية وأخرى اختيارية وإرادية، تمازجت جميعها في خط الزمن لتنتج لوحة إنسانية خاصة، متميزة بالخصوصية والفرادة، نابضة بالتحولات والانقباضات والانبساطات والشدة".

أضاف: "إذا كان بالإمكان الحديث عن الدولة والمواطنة بلغة عقلية وتقنية، فإن التحدث عن الكيانية اللبنانية يختلط فيه المجاز بالرمزي، والأسطوري بالسحري، لكون ما نتحدث عنه فوق أن يحدده تعريف، ووراء أي هوية نصوغها أو قيمة نتسالم عليها أو انتظام نتوافق عليه. الكيانية ليست شيئًا يُعرف، وإنما شيئًا يُختبر، يظهر نفسه بنمط حياة وسلوك وطريقة تفكير ولغة فريدة".

وختم: "إذا كان تعريفنا عن أنفسنا بأننا لبنانيين أمرًا بديهيًا، فإن الصعوبة تظهر حين نحاول تفسير معنى أن نكون لبنانيين. وإذا كان من السهل وصف لبنان بأنه دولة مواطنة أو وطن ذو سيادة، فإن الكلام عن حقيقة وطبيعة هذا الكيان، الذي يتيح وجود مجتمع ودولة ووطنيّة وهوية، يكاد يكون مستحيلًا، وهو مجازفة نسعى لخوضها رغم المخاطر".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: