يشهد لبنان حركة دبلوماسية لافتة منذ تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتتصدر العناوين الإصلاحية ومن ضمنها الانتخابات النيابية والتحقيقات في انفجار المرفأ، حيث اللقاءات التي تشمل إضافة إلى رئيسي الجمهورية والحكومة والبرلمان الوزراء المعنيين بالقضايا على غرار وزير المال والأشغال والعدل وغيرهم.
وإضافة إلى الحركة المكوكية التي تقوم بها السفيرة الأميركية دوروثي شيا وعدد من السفراء، يقوم حالياً وزير الدولة للشؤون الخارجية الألمانية نيلز انن ومنسق مؤتمر ««سيدر» السفير بيار دوكان بجولة على المسؤولين للاطلاع على مسار عمل الحكومة.
وتصف مصادر مواكبة هذه الحركة الدبلوماسية بالطبيعية بعد تشكيل الحكومة، لا سيما أن المجتمع الدولي والدول المهتمة بلبنان كانت تؤكد على ضرورة تأليفها وتنفيذ الإصلاحات. وتقول المصادر لـ"الشرق الأوسط" إنه بعد تشكيل الحكومة التي تحظى بدعم أوروبي ولا سيما فرنسي وإلى حد ما أميركي من الطبيعي أن نرى هذا التهافت تحت عناوين أساسية هي تطبيق الإصلاحات وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها إضافة إلى الوصول إلى الحقيقة في تحقيقات انفجار مرفأ بيروت. ويبدي الجميع استعدادهم للتعاون عبر الشركات والمؤسسات لا سيما في المشاريع ومنها إعادة إعمار المرفأ. وتلفت المصادر إلى أن تنفيذ الإصلاحات يعتبر أولوية ومدخلا أساسيا للمساعدات التي وعد بها لبنان مع تأكيدها أن التوجه بالنسبة إلى المساعدات وهو ما تؤكده الوفود مرتبط بالإصلاحات أولاً، بعد فقدان ثقة المجتمع الدولي بلبنان ومطالبته الجانب اللبناني بإظهار حسن نية في هذا الإطار.
في هذا الوقت، تسعى الحكومة إلى تسريع وتيرة خطواتها لكسب الوقت في وضع خططها على سكة التنفيذ وفق بيانها الوزاري للبدء بمعالجة الأزمات المختلفة مستفيدة من الظروف الدولية المؤاتية والدعم الذي يحظى به من دول عدة، وبناء عليه يكثف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اجتماعاته حيث شهدت السراي الحكومي أمس نشاطاً دبلوماسياً لافتاً بالتوازي مع سلسلة اجتماعات اقتصادية تمهيداً للقرارات التي ستتخذها الحكومة انطلاقاً من التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
في المقابل، تؤكّد مصادر مالية مسؤولة لـ"النهار" جديّة التحضير حكوميّاً لانطلاقة المفاوضات مع صندوق النقد الدوليّ بعد اتصال أوليّ حصل بين المكوّنين. وقد طلبت خلاله الحكومة المباشرة في عملية التفاوض، فيما باشر الفريق الوزاريّ عمله في إطار وضع مجموعة البنود والإجراءات المطلوبة في الموازنة المقبلة. وتضع الاتصال في خانة إطلاق عجلة التفاوض مع صندوق النقد على أن تباشر الحكومة مهمّة تحضير خطّة اقتصادية وعرضها على الصندوق في المرحلة المقبلة. وإذا كانت التساؤلات المتعلّقة بالمرحلة الحالية ترتبط بالمنحى الذي يمكن أن يتّخذه سعر صرف الدولار في الأسابيع المقبلة، فإنّ رفع الدعم عن المحروقات سيؤدي عمليّاً إلى زيادة الطلب على العملة الصعبة لدى الصرّافين، انطلاقاً مما تعبّر عنه المصادر المالية، بما يعني ترجيح الاتجاه نحو ارتفاع إضافيّ في سعر الصرف بعدما كان استقرّ في الأيام الماضية على ما يقارب 17500 ليرة لبنانية بعد رفع الدعم عن المازوت. ويُرتقب أن يشهد ارتفاعاً إضافيّاً مع توجّه الشركات قريباً إلى شراء العملة الصعبة من الصرّافين لاستيراد البنزين.
لكن، تبقى الخطوة الأساس التي ستحدّد مسار سعر الصرف على المدى البعيد في قدرة الحكومة على النجاح خلال مفاوضاتها مع الصندوق. ويساهم إسراع الحكومة في إعداد الخطّة الاقتصادية وإطلاق عجلة المفاوضات مع صندوق النقد في تدفّق الأموال إلى البلاد. إذ تقدّر المصادر أن يحصل لبنان على قروض من الصندوق قد تتراوح ما بين 4 و10 مليارات دولار بين الحدّين الأدنى والأقصى. ويحفّز نجاح المفاوضات الدول المانحة إلى تقديم قروض طويلة الأجل من جهتها أيضاً. ويساهم تدفّق الأموال إلى لبنان وفق الصورة المعبّر عنها في المساعدة على خفض سعر الصرف الذي يرتبط بعامل الثقة، بحيث ترى المصادر الاقتصادية إمكان أن يتراوح ما بين 10 و12 ألف ليرة في حال النجاح اللبناني باستثمار الأموال وتعزيز القطاعات الانتاجية والطريقة التي ستتعامل من خلالها الحكومة مع إنفاق القروض التي ستحصل عليها. وتبقى هذه التفاصيل مرتبطة أوّلاً بعمل الحكومة وقدرتها على التوصّل إلى خطّة جديّة وموحّدة للتفاوض مع صندوق النقد.
وقالت مصادر مواكبة لملف المفاوضات مع صندوق النقد لـ"الديار" ان لبنان لن يخضع لكل شروط الصندوق باعتبار ان بعضها قاس جدا ولا يمكن القبول به في ظل الاوضاع الصعبة جدا التي يرزح تحتها اللبنانيون. وسألت المصادر عبر «الديار»:»هل من يقبل مثلا رفع الtva لل15% ، هل من سيقبل من القوى السياسية قبل الانتخابات اعادة هيكلة القطاع العام وبالتالي زيادة نسبة البطالة والعاطلين من العمل؟» واضافت: «الارجح سيؤدي ذلك الى خفض سقف المبلغ الذي سيقرضه الصندوق للبنان، ولكن العبرة هي بتعاوننا معه والانطلاق بالاصلاحات المطلوبة».
