في زمنٍ تتكاثر فيه الانقسامات والحروب، يختار الفنان الموسيقي العالمي، ومُحيي النصوص التاريخية وكاتب الأغاني برؤية مستقبلية ملحم أن يجعل من الموسيقى مساحة لقاءٍ إنساني، وجسرًا يصل بين الحضارات، ورسالة سلام تتجاوز السياسة والدين. ففي حديثٍ خاص لموقع LebTalks، كشف ملحم عن رؤيته الفنية التي تختصر مشروعه كلّه بكلمة واحدة: Healing – الشفاء.
View this post on InstagramA post shared by ᴍ ᴇ L 🕊️ 7 ᴇ ᴍ️️ • ملحم (@mel7em_official)
أشار ملحم إلى أنّ انطلاقته الفنية كانت عام 2017، ومع بداياته اشتهر بتحديث الأغاني التراثية ودمجها بين حضارات مختلفة، موضحًا أنّ هدفه كان تعريف الشعوب الغربية، كالأوروبيين والأميركيين، على حضارات عريقة مثل الحضارة المصرية والحضارة العربية الجاهلية والشعر الصوفي والحضارة الكنعانية من خلال الموسيقى. أضاف: "أركّز عمدًا على حضارات يعتقد البعض أنّها مخيفة، لأرسم جسر معرفة وسلام بينها وبين الآخرين".
وتابع أنّ خبرته في العيش في الولايات المتحدة، وسفره إلى العديد من الدول، جعلته يلاحظ نظرة الآخر إلى اللبنانيين، الأمر الذي دفعه إلى تبنّي هدفٍ يتجاوز إيصال الموسيقى بحدّ ذاتها، ليصبح إيصال رسالة إنسانية وحضارية، قائلاً: "أريد نقل شهادة حياة الأجداد إلى المستقبل، لأقول إنّ الأصل انطلق من هنا".

وأوضح ملحم أنّ الفولكلور ليس مجرّد أغانٍ تُغنّى، بل هو قصص حقيقية عاشها الأجداد قبل 400 أو 500 عام، نابعة من واقع المجتمع، وتحمل ذاكرة الشعوب وهويتها. أضاف أنّ فكرة تحديث التوزيع الموسيقي راودته منذ صغره، إذ كان يستمع إلى الموسيقى العربية ويشعر أنّ توزيعها قديم على الرغم من عمق مضمونها، فاختار تطوير التوزيع وربطه بالحضارة الحديثة مع الحفاظ على الجوهر الجميل للأغنية.
ومن خلال خبرته المبكرة في الإنتاج الموسيقي والعزف، واحتكاكه بمختلف الثقافات والطبقات الاجتماعية، من الفقراء إلى الأغنياء، رأى ملحم أنّ الموسيقى قادرة على جمع من لا يجلسون معًا في الواقع، وسهرهم في عملٍ فني واحد يخلق منتجًا إنسانيًا جميلًا.
وعن الفنانين الذين تركوا أثرًا عميقًا في مسيرته، تصدّرت السيدة فيروز القائمة، معتبرًا أنّه لا يمكن منافستها أو مقارنتها، لأنها قدّمت نموذجًا فريدًا في إيصال الفن إلى جميع الأديان والطوائف والدول والحضارات. وقال: "تعلمت من فيروز كيف تصنع أغاني للجميع. حتى من لا يسمع العربية كان يستمع إليها ويتلذذ بموسيقاها. هي فنانة حقيقية لأنها أوصلت الرسالة إلى كل الحضارات".
View this post on InstagramA post shared by ᴍ ᴇ L 🕊️ 7 ᴇ ᴍ️️ • ملحم (@mel7em_official)
كما شدّد على أنّ الفنان الحقيقي هو من يخرج من ذاته ليخاطب الإنسان أينما كان، لافتًا إلى أنّ التواضع صفة أساسية يجب أن يتحلّى بها الفنان، فكلما كبر نجاحه، عليه أن يبقى صغيرًا بنفسه.
واختصر ملحم مشروعه الفني بجملة واحدة: “To Heal”، موضحًا أنّ الشفاء لا يقتصر على الموسيقى الهادئة فقط، بل يشمل أيضًا الموسيقى الصاخبة التي تنعش النفس وتعيد الروح. أضاف أنّ الشعوب التي عاشت الحروب تعاني صدمات عميقة لم تُشفَ منها بعد، وأنّ الموسيقى قادرة على مداواة الروح، لأنّ الإنسان يتأثر بما يسمعه ويعيش على إيقاعه.
وفي رؤية إنسانية جريئة، اعتبر ملحم أنّ السلام الحقيقي يتحقق عندما يلتقي أشخاص من دول متخاصمة في حفلة موسيقية واحدة، ويرقصون على لحنٍ واحد، قائلاً: "بالنسبة لي، هذا هو السلام. الموسيقى تجمع العالم بعد خوفٍ تراكم عبر آلاف السنين. لا تهمّني السياسة ولا الدين، ما يهمّني هو الإنسان".
وأكد رفضه لفكرة أنّ اللبنانيين محكومون بالحرب، داعيًا إلى سلامٍ يجمع الجميع، ومشدّدًا على أنّه إذا كان بإمكان البشر أن يرقصوا معًا على الموسيقى، فلماذا لا يتعاملون مع بعضهم البعض على مختلف المستويات؟
وختم بالقول: "لا للحرب، نعم للسلام".
View this post on InstagramA post shared by ᴍ ᴇ L 🕊️ 7 ᴇ ᴍ️️ • ملحم (@mel7em_official)
وفي سياقٍ متصل، كشف ملحم عن أعمال فنية جديدة، من بينها عمل تونسي–لبناني يضفي عليه النكهة اللبنانية الخاصة، إضافة إلى مشروع فرقته الموسيقية التي تنطلق من تركيا، مع تصوير أعمال جديدة، إلى جانب حفلات مرتقبة في عمّان وقطر وتونس وإسطنبول.
يقدّم ملحم نموذجًا لفنانٍ يرى في الموسيقى فعل مقاومةٍ للكره، ووسيلة شفاءٍ للإنسان، ورسالة سلامٍ عابرة للحدود. ففي عالمٍ تمزّقه الصراعات، يصرّ على أن يبقى اللحن لغةً عالمية، قادرة على جمع ما فرّقته الحروب، وإعادة الإنسان إلى جوهره الأول.