منطقة عازلة على نار هادئة.. إسرائيل تمضي في فرضها؟

south-borders

في الأيام الأخيرة، طفا إلى سطح النقاش السياسي والأمني طرحٌ لافت، سرعان ما فرض نفسه على جدول الاهتمامات، يتمحور حول ضرورة إنشاء منطقة عازلة في الرقعة الجغرافية الواقعة بين نهري الليطاني والأولي.

بالتالي هذا الطرح لم يأتِ من فراغ، بل ظهر في توقيت بالغ الحساسية، ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول خلفياته الحقيقية، هل هو إجراء أمني محدود، أم حلقة إضافية في مسار أوسع يهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض؟ وهل يأتي كامتداد لمسار حصر السلاح بيد الدولة، أم كجزء من رؤية إسرائيلية مستقلة تتجاوز هذا العنوان؟

في هذا السياق، يشير العميد المتقاعد شامل روكز، في حديث لمنصة Lebtalks، إلى أن إسرائيل لا تتعامل مع لبنان بمنطق المناطق أو الخطوط الفاصلة، بل تنظر إلى الجغرافيا كوحدة واحدة مفتوحة على جميع الاحتمالات.

فهي، بحسب روكز، لا تميز بين جنوب الليطاني وشماله، ولا بين الجنوب والبقاع والسلسلة الشرقية، تماماً كما لا تفصل في مقاربتها بين غزة والضفة الغربية، ومن غير المستبعد أن تتسع هذه الدائرة مستقبلاً لتطال ساحات أخرى في الإقليم.

ويذكر روكز بأن اتفاق وقف إطلاق النار عام 2024 تضمن بنوداً غير معلنة ظلت سرية لدى الجانب اللبناني، في مقابل خطاب إسرائيلي واضح لا لبس فيه، حيث تؤكد تل أبيب بشكل متكرر احتفاظها بحرية العمل الجوي، وهو ما تثبته عمليات الاستهداف المستمرة.

من هنا، لا يمكن مقاربة السلوك الإسرائيلي على أنه موجه حصرياً ضد سلاح حزب الله، إذ إن المقصود، وفق هذه القراءة، يتجاوز السلاح والعناصر البشرية إلى رفض وجود الحزب أصلاً كعامل مؤثر في المعادلة.

ويؤكد روكز أن خيار إنشاء المنطقة العازلة بات ثابتاً في الحسابات الإسرائيلية، وهو مطروح بشكل صريح داخل لجنة "الميكانيزم"، ولن تتراجع عنه إسرائيل قبل بلوغ أهدافها، كَوْن المسألة، بحسب تقديره، لا تقتصر على شريط أمني موقت، بل ترتبط بمشروع أوسع يرمي إلى إقامة فضاء أمني - اقتصادي ممتد من غزة إلى جنوب لبنان، بما يؤمن لإسرائيل مظلة أمان تعتبرها شاملة ونهائية هذه المرة.

ضمن هذا الإطار، يعبر روكز عن شكوكه حيال إنهاء خطة انتشار الجيش في جنوب الليطاني والانتقال إلى شماله، معتبراً أن هذا الانتقال يفتقر إلى الواقعية في ظل غياب تسليم فعلي وكامل للسلاح، كما يرى أن هذا الواقع سيستخدم كذريعة إضافية لتصعيد إسرائيلي تدريجي، قد لا يتوقف قبل إقفال هذا الملف وفق الشروط التي تضعها تل أبيب.

ويتقاطع ذلك مع تصاعد الحديث عن تكثيف الهجمات الإسرائيلية وتوسيع نطاق المنطقة العازلة، خصوصاً بعد أن تلقى رئيس الحكومة نواف سلام، مباشرةً من المفاوض السفير سيمون كرم، موقفاً إسرائيلياً حاسماً يرفض تقديم أي تنازل بشأن المناطق المحتلة.

فعند هذه النقطة، يصبح لافتاً، بل مقلقًا، إصرار الدولة اللبنانية على الحديث عن استكمال المرحلة الثانية من الخطة، في ظل هذا التصلب الإسرائيلي.

إذ إن أي خلل في ترتيب الأولويات، أو أي مقاربة تتجاهل موازين القوى والوقائع الميدانية، من شأنه أن يضعف الموقف التفاوضي اللبناني، ويمنح إسرائيل هامشاً أوسع لفرض شروطها وتحويل الضغط العسكري إلى مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: