في الحادي والثلاثين من كانون الأول، يستعد اللبنانيون لتوديع عامٍ مثقل بالأزمات واستقبال عامٍ جديد على أمل أن يحمل معه بعض الاستقرار. غير أنّ هذا اليوم، الذي يفترض أن يكون مناسبة للفرح، يتحوّل في كل سنة إلى مصدر قلق حقيقي بفعل ظاهرة إطلاق النار العشوائي، التي تودي بحياة أبرياء وتتسبب بإصابات وخسائر مادية جسيمة.
في هذا الإطار، كثّفت وزارة الداخلية والبلديات، بالتنسيق مع قوى الأمن الداخلي، دعواتها الصريحة إلى الامتناع التام عن إطلاق النار لمناسبة رأس السنة، معتبرة أنّ "هذه الممارسات تشكّل خطراً مباشراً على السلامة العامة، وتُعدّ مخالفة صريحة للقانون". وأكدت الوزارة، في تعاميم رسمية، أنّ "الأجهزة الأمنية ستتخذ إجراءات صارمة بحق كل من يثبت تورطه في إطلاق النار، تحت طائلة الملاحقة القضائية".
ولا تأتي هذه الدعوات من فراغ، إذ تشير الوقائع إلى أنّ لبنان خسر في سنوات سابقة أرواحًا بريئة نتيجة الرصاص الطائش، فضلًا عن إصابات خطيرة وأضرار في الممتلكات العامة والخاصة. كما حذّرت الجهات الرسمية من تأثير إطلاق النار على سلامة الطيران المدني، لا سيما في محيط مطار رفيق الحريري الدولي، حيث يشكّل الرصاص الصاعد خطرًا حقيقيًا على حركة الطائرات.
وفي حديث لـ"LebTalks"، شدّدت المحامية نانسي شاهين على أنّ "إطلاق النار في الهواء خلال المناسبات، ولا سيما في ليلة رأس السنة، لا يُعدّ مجرّد سلوك خاطئ أو عادة اجتماعية، بل هو فعل جرمي مكتمل الأركان يعاقب عليه القانون اللبناني".
وأوضحت أنّ "القانون لا يربط الجرم بوقوع إصابة أو وفاة، بل يعتبر أنّ تعريض السلامة العامة للخطر بحد ذاته يشكّل مخالفة تستوجب الملاحقة".
أضافت شاهين أنّ "القضاء اللبناني تعامل في أكثر من مناسبة مع قضايا ناتجة عن الرصاص الطائش، حيث ثبت أنّ النيّة الاحتفالية لا تشكّل أي عذر مخفّف"، معتبرة أنّ "إطلاق النار، مهما كانت الدوافع، يُعدّ استخدامًا غير مشروع للسلاح".
وتابعت أنّ "المسؤولية القانونية لا تقع فقط على مطلق النار، بل قد تطال أيضًا صاحب السلاح في حال ثبت أنّه سلّمه أو سمح باستخدامه خلافًا للقانون".
وشدّدت على أنّ "إطلاق النار في المناطق السكنية أو قرب المرافق الحيوية، كالمطار أو المستشفيات، يُعدّ ظرفًا مشدّدًا للعقوبة، نظرًا لما يشكّله من خطر مباشر على عدد كبير من المواطنين". كما أكدت أنّ "الدولة، عبر وزارة الداخلية والقوى الأمنية، تملك الصلاحية الكاملة لتوقيف المخالفين فورًا وإحالتهم إلى القضاء المختص دون الحاجة إلى شكوى شخصية".
وختمت بالتأكيد أنّ "الالتزام بعدم إطلاق النار ليس مسألة قانونية فحسب، بل مسؤولية أخلاقية ووطنية"، معتبرة أنّ "احترام القانون في ليلة رأس السنة هو الخطوة الأولى نحو عام جديد أكثر أماناً واستقراراً".
إلى جانب الدور الرسمي، تبرز أيضًا دعوات من مؤسسات المجتمع المدني وناشطين وإعلاميين لوقف هذه العادة. وقد أُطلقت حملات توعوية تحثّ المواطنين على الإبلاغ عن أي حادثة إطلاق نار، دعماً لجهود القوى الأمنية في ضبط المخالفات.
في بلدٍ يعاني من أزمات متراكمة، تبدو هذه الدعوات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. فلبنان الذي أنهكته الخسائر، لم يعد يحتمل فقدان المزيد من الأرواح بسبب ممارسات يمكن تفاديها بسهولة. وفي آخر يوم من السنة، يعلو الصوت: دعوا العام ينتهي بهدوء، ولتكن بداية السنة الجديدة آمنة للجميع.
