مع نهاية كل عام وبداية عام جديد، تتزيّن الشوارع وترتفع أصوات الموسيقى احتفالاً برأس السنة. لكن خلف هذه الأجواء الصاخبة، يطرح سؤال أساسي نفسه: هل رأس السنة مجرّد سهرة واحتفال، أم أنّ له معنى أعمق، خصوصاً في الإيمان المسيحي؟
رأس السنة بعيون الأجيال الجديدة
خلال جولات ومقابلات أجراها موقع "LebTalks" مع شبّان وشابّات من الأجيال الجديدة، عبّر معظمهم عن نظرتهم لرأس السنة على أنّها سهرة، احتفالات، أصدقاء وموسيقى. كثيرون قالوا بصراحة إنهم "لا يعرفون المعنى الروحي لرأس السنة، ولا يرتبط هذا الحدث لديهم بالإيمان أو بالتأمل الداخلي". أضافوا: "يقتصر على كونه تغيير تاريخ وبداية رقم جديد في السنة".
فما المعنى الروحي لرأس السنة في الإيمان المسيحي؟
أشار الأب وليد نقولا في حديث لموقع "LebTalks" إلى أنّ "هذا اليوم ليس حدثاً عابراً، بل يحمل دلالة إيمانية عميقة".
أضاف: "بحسب الإيمان المسيحي، فإنّ رأس السنة يرتبط بحدث ختانة يسوع، أي دخوله في شعب الله. ومع مجيء المسيح، تحوّلت الختانة إلى المعمودية، التي بها يصبح الإنسان ابناً لله. كما يقول يسوع: أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح، المسيح قد لبستم".
فحص الضمير وبداية صفحة جديدة
يشدّد الأب نقولا على أنّ "رأس السنة هو وقت مناسب لفحص الضمير، وهي ممارسة روحية أساسية في حياة المؤمن. فمع كل سنة جديدة، يُدعى الإنسان إلى التوقّف مع نفسه وطرح أسئلة صادقة ماذا تحرّرت منه خلال هذه السنة؟ ما الأمور التي لا تزال تستعبدني؟".
كما أوضح أنّ "بداية سنة جديدة تعني فتح صفحة جديدة مع الله، والسعي لأن تكون أفضل من الماضية، عبر التوبة، التطهّر الداخلي، والولادة المتجدّدة مع يسوع".
هل نحتفل فقط بتغيير تاريخ؟
في الإيمان المسيحي، الجواب أعمق من ذلك. فالمؤمن مدعوّ لأن يرى في هذا اليوم فرصة للنمو الروحي، لا مجرّد مناسبة اجتماعية. هي لحظة وعي بأن الزمن عطية، وأن كل سنة جديدة تقرّب الإنسان أكثر من دعوته الأساسية.
رسالة إلى الشباب مع بداية سنة جديدة
في هذا السياق، وجّه نقولا نصيحة مباشرة إلى الشباب قائلاً إنّه "كما يعمل الإنسان على تطوير نفسه مهنياً، ويسعى للنجاح وتحقيق الأحلام والطموحات، عليه أيضاً أن يعمل على خلاص نفسه وروحه".
أضاف: "ليس لنا من مدينة باقية على الأرض. نحن مارّون في هذه الحياة زيارة"، كما قال القديس أغسطينوس: نحن ضيوف على هذه الأرض، وذاهبون إلى حياة أبدية".
بين ضجيج الاحتفالات وصمت التأمّل، يقف رأس السنة كفرصة مزدوجة: فرح خارجي وبداية داخلية. وبينما يرى فيه البعض سهرة عابرة، يدعونا الإيمان المسيحي إلى أن نراه نقطة تحوّل، وميلاداً جديداً مع المسيح.
فالسنة الجديدة ليست فقط احتفالات وتجمع مع الأقارب والاصحاب، بل ما نزرعه في قلوبنا ونحمله معنا في مسيرتنا الروحية نحو الحياة الأبدية.