من المفترض أن تكون ذكرى الاستقلال يوم فرحٍ عظيم لكل اللبنانيين، لكنها في الواقع كما في كل عام تحمل غصّة في القلب …
ثمانية وسبعون عاماً من عمر الاستقلال المزيف… حقبة مديدة من عمر الوطن الذي يحتفل كل عام بذكرى استقلاله، عقود زمنية لم تتخللها صفحات من الاستقرار لا بل من الخوف والقلق على المصير، فبعد كل الحقبات والمحطات التي عايشها لبنان وشعبه من سلسلة احتلالات لم تشعرنا في اي يوم ان بلدنا مستقل ، يوم 22 تشرين الثاني يمثل محطة لإستذكار رحيل آخر جندي فرنسي عن ارض لبنان، فأذا بهذا اليوم وبعد مضي كل تلك السنوات، ما زال يمثل تحكّماً بلبنان من قبل قوى خارجية اقليمية تنهمش بالوطن وبأبنائه، عبر وصايتها وأوامر سفراء يطلعّون على كل شاردة وواردة، في حين ان ركائز الاستقلال تبدأ بالتحرّر من كل انواع الانتداب والوصاية والاحتلال، وتاريخ لبنان شاهد على كل هذا نظراً للحروب التي إفتعلتها القوى الخارجية على ارضه تحت عنوان "الحرب الاهلية "، فيما كانت في الحقيقية حروب الاخرين على ارضنا، وإستعمال هذه الارض كساحات تصفية دفع ثمنها لبنان وشعبه.
ككل عام تغيب عنا ثمار الاستقلال الناجز، اي سيادة الدولة على أراضيها ومؤسساتها، وقدرتها على اتخاذ القرار الحر المنبثق من إرادة الشعب ، وما عدا ذلك يشكل مسّاً بالكرامة الوطنية، وعائقاً أمام الدولة ومسيرتها، اما هذا العام فالوضع وصل الى الهاوية، لا وطن بل مساحة مشلّعة تفتقد الى ادنى المقومات، من سيادة وحرية محكومتين من حزب الدويلة، لا مؤسسات لا مستشفيات لا طبابة لا ادوية، لا مواد غذائية بل جوع منتشر على مساحات الوطن، فقر وبطالة وهجرة غير مسبوقة ، انقسام سياسي عامودي لا مثيل له، ما جعل المناسبة تغيب فعلياً ونهائياً…
لكن ووسط هذه المشاهد المؤلمة ، لا بدّ ان نسأل عن كيفية إحتفالنا اليوم بالاستقلال وما زال لبنان سجيناً تستباح ارضه من اجل مصالح بعض الدول؟، وكيف نحتفل ووطنا سجين من قبل بعض الداخل والخارج ؟
كيف نحتفل وما زالت ميليشيا مسلحة تملك سلاحاً غير شرعي، وتستبد باللبنانيين وتهدّدهم بوجودهم ساعة تشاء، وتمنع الاجهزة الشرعية من بسط سلطة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية في ظل وجود مرّبعات امنية؟
كيف نحتفل اذا كنا لا نتوّحد كلبنانيين حتى في الصلاة على أرواح الشهداء… ؟!
