شكل الإعلان الفرنسي السعودي المشترك عن بداية معالجة لأزمة السلطة اللبنانية مع الرياض ودول خليجية أخرى، رتب التزامات إضافية على الحكومة التي تعهد باسمها رئيسها نجيب ميقاتي في الاتصال الهاتفي الثلاثي مع الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي بالعمل على إعادة العلاقات اللبنانية السعودية إلى سابق عهدها بما يثقل كاهله الآن في إقناع القوى الشريكة في الحكومة والتي دأبت على تفجير هذه العلاقات، بأن هذه الفرصة في استدراك الخسائر الفادحة التي تسببت بها للبنان لن تتكرر اذا عادت حليمة التفجير إلى عادتها القديمة. وبذلك فإن حماية هذا التطور ستقع في المقام الأول على العهد والحكومة تحت طائلة فقدان آخر فرصة وفرّها الرئيس ماكرون للبنان، أياً تكن أسباب المرونة التي انتزعها من ولي العهد السعودي، علماً ان مؤشرات عدة برزت بعد ساعات من نهاية زيارة ماكرون لجدة، أوحت ان
الرياض ستراقب بدقة متناهية معالم استجابة الاخرين لتعهدات الرئيس ميقاتي قبل إعادة السفير السعودي إلى بيروت.
ونقلت "اللواء" عن مصادر سياسية "ان توظيف الاختراق الذي حققه الرئيس الفرنسي أثناء لقائه بولي العهد السعودي، بالاتصال برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لوقف مسار تدهور العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي مع لبنان، ينتظر ترجمة عملية، من قبل الحكومة اللبنانية، ولو بخطوات وقرارات اولية، لاعادة الثقة المفقودة، ومن بعدها يمكن المباشرة بفتح صفحة جديدة واعادة تطبيع العلاقات بين البلدين".
واشارت المصادر الى ان ما حصل يعتبر مؤشرا مهما، وتطورا لا يمكن تجاهله، وهو يصب حتما في صالح اعطاء دفع خليجي فرنسي للحكومة، للانطلاق قدما إلى الأمام ،لتنفيذ المهام الملقاة على عاتقها، ولكن يبقى الاهم ، وهو مدى قدرة ميقاتي،على اعادة انعاش جلسات الحكومة من جديد وانهاء كل العقبات والعراقيل التي تعترض عملها. ولذلك، فإن الايام المقبلة، ستشكل امتحانا، للطاقة الحاكم، وكيفية تجاوبه مع الاختراق الذي تحقق وامكانية الاستفادة منه إلى اقصر الحدود، او استمرار تعطيل الحكومة والدوران في حلقة الشلل الحكومي نفسها.
وكشفت مصادر مطّلعة في باريس لـ"البناء" عن "دورٍ فرنسي محوري على خط احتواء الأزمة الخليجية– اللبنانية، من خلال مروحة اتصالات أجراها ماكرون نفسه بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وبالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وبدولة الإمارات، إضافة إلى تواصل مع القيادة السعودية. فيما تولّى مدير الاستخبارات الفرنسية، برنار إيمييه، التواصل مع «حزب الله» لإقناعه بضرورة استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي قبل وصول ماكرون إلى الخليج، لكي يتمكّن من بحث الملف اللبناني مع قادة الخليج وإقناع المملكة بالتراجع عن الإجراءات التصعيدية ضد لبنان".
وتشير المصادر إلى أن "الحركة الفرنسية تعكس مخاوف جدية لدى "الإيليزيه" من خطر انهيار لبنان في شكلٍ كامل بعد المقاطعة الخليجية له". كاشفة أن "فرنسا أبلغت السعودية اعتراضها على الموقف الخليجي بمقاطعة لبنان، لأنه سيؤدي إلى تهديد الاستقرار السياسي والاقتصادي، وبالتالي الأمني في البلد الذي تعتبره فرنسا نموذجاً للتعددية والتعايش الطائفي".
ومن غير المستبعد ان تتمّ الاستفادة لبنانياً من المناخات الإيجابية التي أرختها عودة التواصل السعودي مع لبنان، وطي صفحة استقالة قرداحي من أجل إنهاء التعطيل الحكومي، بغية الاستفادة من هذا الزخم لجماً للتدهور المالي والاقتصادي وإعادة وضع الحكومة على سكة المسار الذي انطلقت على أساسه بكونها حكومة إصلاحات وانتخابات.
