كما في كل زيارة يقوم بها أي مسؤول غربي او عربي الى لبنان، لإجراء وساطة بين افرقاء الداخل، بهدف إنقاذ البلد ومحاولة إنتشاله من قعر الهاوية، تعود وساطته من حيت اتى أي خالية اليدين، فلا حل ولا تقارب، بل "خربطة " علاقات من جديد، فيرجع الملف الى النقطة الاولى. لكن هذه المرة ومع زيارة الموفد الفرنسي بيار دوكان، توالت الخيبات السياسية بقوة ، فرجع المسؤول الفرنسي كما في كل مرة يزور خلالها لبنان، منبهراً ومندهشاً من عدم إهتمام المسؤولين من مآسي الواقع اللبناني، وغيابهم عن سماع نداءات شعبهم، الذي يعاني الجوع والفقر والعوز والخوف من الانفجار الاجتماعي . فكل هذه المشاهد المخيفة لم تهز أي مسؤول، اذ لا تزال لا مبالاتهم سائدة بقوة، ما أبعد عن دوكان هذه المرة فكرة الرجعة الى بيروت، بعد ان يئس مع رئيسه ايمانويل ماكرون، وزميله وزير الخارجية جان ايف لو دريان من كل تلك الوساطات، منذ ان قدّمت باريس مبادرتها في الاول من ايلول 2020، لكن زمن تلك المبادرة طال، من دون ان تصل الى اي خاتمة سعيدة امل بتحقيقها الرئيس الفرنسي، فبقيت تدور في دوامة التكاذب الداخلي، وتتراجع خطوة خطوة الى ان فرغت من محتواها بأيدي المعنيين في لبنان، ما جعل المسؤولين الفرنسيين يسحبون ايديهم من كل تلك "الخبصة"، ولا يلتفتون الى الوراء ويغادرون مع دهشات لا تزال ترافقهم ، فكيف يهتمون ببلد تناساه مسؤولوه، من دون أي يشعروا بأي آسف او خجل، من مسؤولين غرباء اثبتوا اهتمامهم ببلدهم اكثر منهم بكثير؟!
الى ذلك يمتاز السفير دوكان بالعقلانية والهدوء، وهو المعتاد على الحوار والكلام الرصين والمهذب والمختار بدقة لا ينفع، لكن كل هذا لم ينفع مع المتناحرين على قالب الجبنة اللبنانية، المأكول والموّزع بإتقان، على قاعدة "هذا لي وهذا لك"، فيما كان من الاجدى ألا يكتفي المسؤول الفرنسي بالتوبيخ الكلامي، الذي لا يخيف ثعالب السياسة، لكنه رفع العشرة وباريس نفضت يدها، والخلاصة تشير الى انّ ما يحصل قضى على آخر امل للبنانيين، الذين باتوا يتحضّرون للأسوأ، أي إنفجارات اجتماعية بالجملة…!
