بالأمس، هلّل مريدو محور الممانعة في لبنان معتبرين أن الدور السعودي الإقليمي إنتهى والمملكة غارقة في ما أسمته “عاصفة الحزم” – التي أطلقتها في 25/3/2015 ضد جماعة “أنصار الله” الحوثية الموالية لإيران في اليمن – وأنها ليست بعاصفة بل مستنقع يستنزفها عسكرياً ومالياً وسياسياً الى جانب الخلافات والتمايز بين أهل البيت الخليجي الواحد وفي مقدمته قطر.
بالأمس، هللوا بأن المملكة أدارت ظهرها للبنان وإنسحبت من التعاطي في الملف ليس فقط سياسياً بل أيضاً إقتصادياً عبر إستثماراتها وودائعها ومساعداتها الاجتماعية وأنها يتّمت سياسياً قوى “14 آذار” وفي مقدمتهم رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري. كما أكدوا أنه لم يرف لها جفن أمام الواقع العضال الذي يفتك بلبنان وشعبه منذ “17 تشرين” مع الانهيار الشامل الذي يضربه وهي على موقفها المنكفء رغم المساعي الفرنسية ولم تفرج حتى عن دعم كلامي لتسمية أي رئيس حكومة.
وبالأمس القريب، هللوا مع تسريب اخبار عن مفاوضات سرية سعودية – إيرانية شهدتها بغداد في نيسان 2021 وما سبقها من إنفتاح إماراتي على دمشق ترجم بإعادة افتتاح سفارتها فيها في 27/12/2018 وما تلاها من زيارة وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان للعاصمة السورية في 9/11/2021. فرفع “حزب الله” والممانعون عندنا رايات نصر بشار الاسد والمحور الايراني.
لكن كل ذلك سقط مع ما شهده هذا الشهر من بيانات مشتركة سعودية – فرنسية وسعودية مع معظم دول الخليج التي كانت على جدول جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبيان مقررات قمة مجلس التعاون الخليجي حيث كان تشديد على ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، و”ألا يكون لبنان منطلقا لأي أعمال ارهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدرا لتجارة المخدرات” وعلى “أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته، بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن (1559) و (1701) و (1680) والقرارات الدولية ذات الصلة”.
هذا، وأتى الخطاب الملكي السنوي المفصّل لأعمال السنة الثانية من الدورة الثامنة لمجلس الشورى الذي وجهه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في 29/12/2021 ليكون مفصلياً في تظهير طبيعة اي حوار مع إيران وأي رؤية للبنان، إذ:
- أكد موقف السعودية الثابت تجاه ضرورة جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. كما توقف عند عدم تعاون طهران مع المجتمع الدولي فيما يخص البرنامج النووي وتطويره برامج الصواريخ الباليستية.
- شدد على ان إيران دولة جارة للمملكة آملاً في أن تغير من سياستها وسلوكها السلبي في المنطقة وأن تتجه نحو الحوار والتعاون معلناً متابعته بقلق بالغ سياسة النظام الإيراني المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة بما في ذلك إنشاء ودعم الميليشيات الطائفية والمسلحة والنشر الممنهج لقدراته العسكرية في دول المنطقة.
- توقف عند دعم النظام الإيراني لميليشيا الحوثي الإرهابية الذي يطيل أمد الحرب في اليمن ويفاقم الأزمة الإنسانية فيها، ويهدد أمن المملكة والمنطقة.
- جدّد دعم السعودية الكامل للحكومة العراقية، بما يضمن أمن العراق وسيادته واستقراره وارتباطه بعمقه العربي.
- أكد دعم المملكة لكل الجهود الرامية للوصول إلى الحلول السياسية التي تحافظ على سيادة سوريا ووحدتها وسلامتها وتحقق الأمن والاستقرار فيها وتنهي معاناة شعبها.
- جزم “الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق”، وحض “كل القيادات اللبنانية على تغليب مصالح شعبها، والعمل على تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء، وإيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل الدولة”.
في الخلاصة، النتيجة مما تقدم أن تكرار سيناريو مطلع التسعينات “اللعين” حين سُلم لبنان لسوريا الاسد غير وارد تكراره لا مع الاسد الابن ولا مع “حزب الله” وأن مسؤولية وضع حد لهيمنة “حزب الله” تقع على عاتق اللبنانيين. كما إن اي مدّ يد من السعودية ومن خلافها دول الخليج لإيران مرتبط بقطع اذرعها من العراق الى اليمن وسوريا وصولاً الى لبنان والتفاوض معها كدولة لا كمحور يتباهى بسيطرته على اربعة عواصم عربية وإمتلاكه ستة جيوش في العالم العربي بينها بيروت كأحد هذه العواصم و”حزب الله” كأحد هذه الجيوش.